إذن الإيمان ببعده الروحي أو العرفاني كعلاقة بالله، وبعده الأخلاقي الإنساني كعلاقة بالإنسان، يمكن أن يكون نافعا دنيويا وأخرويا، ولذا نجد أن المؤمن بدين ما أو بمذهب ما يُحترم إيمانه، ولكن لا ينبغي أن يكون أنانيا، عندما تتحول هويته الدينية إلى جزء من ذاته، فلا يحب للناس أن يكونوا إلا مؤمنين وفق عقيدته الدينية، ومن لا يكون كذلك فهو غير مؤمن، أي من ينعته بالكافر، بكل ما تختزن الكلمة من انفصال نفسي وفكري لا يخدم البشرية، ولا يخدم فكرة الإيمان بمعناها الواسع وأفقها الرحب. ومن هنا نقول إن الخيارات للإنسان في علاقته بالدين ليست محصورة بخيار واحد، هو الإيمان والالتزام بدين من الأديان السائدة، أو الكفر بالدين وبالله، أو الانتساب إلى دين موروث دون ترتيب أثر من التزام، أو حتى الإيمان والالتزام على ضوء ما تطرح نظرية المذهب الظني أو العقلي-التأويلي، فيمكن أن يكون الخيار الرابع هو خيار التفكيك بين الإيمان والدين، والأخذ بلوازم الإيمان دون لوازم الدين، وهذا ربما لا يكون من قبيل ما ذكر في القرآن: «أفتؤمِنونَ بِبَعض الكِتابِ وَتكفرونَ ببَعض»، لأن هذه الازدواجية التي يرفضها مؤلف القرآن ويدينها ويتوعد أصحابها بقول «فما جَزاءُ مَن يَّفعَلُ ذلك مِنكم إلا خِزيٌ فِي الحياةِ الدُّنيا وَيَومَ القِيامَةِ، يُرَدّون إلى أشَدِّ العَذابِ، وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ»، فهذا وفي ضوء الضرورة العقلية للعدل الإلهي لا يمكن أن يكون صحيحا، إلا بالنسبة لمن يُجزّئ الإيمان والالتزام عارفا بذلك، من أجل تحقيق مصالح أنانية، تؤدي إلى التجاوز على حقوق الناس وكرامتهم وحريتهم وسلامهم وأمنهم، بالدرجة التي تجعله مستحقا لكل، أو بعض ذلك الوعيد، مع إشكالاتنا على صور العذاب وفق الصور الدينية. وبالتقسيم أعلاه لا ننفي، بل نؤكد موقنين، قرب نوع من الملحدين من الله سبحانه، وذلك بمقدار ما تحلَّوا به من بُعد إنساني في شخصياتهم وسلوكهم وتعاملهم مع الناس، لاسيما إذا كان إلحادهم، مع فرض وجود الله، قد حصل قصورا، بسبب شبهة، وليس معاندة ومكاندة لله عن علم وقصد، ومكابرة من أنفسهم. أو إنهم لم يكفروا في حقيقة الأمر بالله، بل كفروا بالله الذي صورته الأديان، ولم يعرض عليهم إله آخر كي يقبلوا به، فكان كفرهم أقرب إلى الإيمان بالله من الإيمان الديني به على وفق كل أو جُلّ ما صورته الأديان. ثم إن الإيمان ليس شرطا لتجسيد الإنسان إنسانيته واستقامته، بل هذا يتحقق للديني واللاديني، للمؤمن والملحد واللاأدري، وعدم تحققه نجده أيضا عند كل فريق ممن ذكر ومن لم يذكر.
1. هل كل الماديين دارونيون، وكل الدارونيين ملحدون بالضرورة؟
بعض المعتقدين بعدم وجود الله يستندون في أدلتهم إلى أن علماء الطبيعة أثبتوا صحة نظرية دارون في التطور، إضافة إلى نظرية الانفجار الأول التي أصبحت المسلَّمات العلمية، مما ينفي بحسب اعتقادهم نظريات الخلق التي تطرحها الأديان. وواضح الخلل في هذا الاستدلال، وذلك لعدة اعتبارات؛ أولا إنهم استندوا إلى ما تعرضه الأديان من قصة الخلق عموما، وخلق الإنسان خصوصا، مما أصبح يتعارض بالضرورة مع الحقائق التي توصل إليها العلم، وثانيا ثبوت عدم صدق العرض الديني لقصة الوجود، فهذا يثبت في أقصى الحالات عدم إلهية مصدر تلك الأديان، وعدم صدق دين ما، أو حتى مع ثبوت عدم صدق كل الأديان كلها بلا استثناء، لا يصح دليلا على عدم وجود الله، ورابعا ليس هناك من تلازم بين صدق نظرية التطور الدارونية (Darwinism) أو (Evolution)، وصدق نظرية نفي وجود الله، أو ما يسمى بالإلحاد أو اللاإلهية (Atheism)، فليس كل داروني ملحدا، ولا كل ملحد دارونيا، كما إن الانفجار الأول يمكن أن يستخدم باتجاهين، باتجاه نفي وجود الله، وباتجاه إثبات وجوده. كما إن ليس كل إلهي دينيا، وإن كان كل ديني إلهيا، وأعني بالتعميم الأديان التوحيدية. هنا نكتفي بنفي التلازم، وللبحث تفصيل في موقع آخر.
كتبت عام 2007 | روجعت في 29/10/2009