18 ديسمبر، 2024 11:11 م

تأسيس قاعدة البحث في العقائد 5/7

تأسيس قاعدة البحث في العقائد 5/7

وفي كل الأحوال إن تحديد الموقف من قبل الإلهيين، ما إذا كانوا نقليين أم عقليين، يختلف في مرحلة ما قبل ثبوت الدين، عما هو في مرحلة ما بعد ثبوت الدين، مع إن ثبوت صدق الدين لا بد أن يكون بدليل من خارج الدين، ألا هو العقل، وإلا كما قلنا عن التجريبيين المنكرين لكون العقل مصدرا للمعرفة الإنسانية العامة إلى جانب التجربة؛ فالقول بثبوت صدق الدين بدليل ذات الدين المطلوب إثبات صدقه، إنما هو الدور المحال منطقيا. ولكن مشكلة هؤلاء إنهم لا يُعوِّلون على المنطق والفلسفة وكل أدوات العقل، أو إذا عولوا على ذلك، لوَوه ليّا عنيفا باتجاه إقرار ما يعتقدون. وهم كذلك يقعون أحيانا في التناقض باستخدام أدلة عقلية في إثبات بطلان الاستدلال بالعقل على صدق الدين.
1. هل نحن – إذا كنا إلهيين عقليين – دينيون أم غير دينيين؟

الإلهيون العقليون الدينيون يؤمنون بمصدرين للمعرفة الدينية، العقل والوحي، بينما الإلهيون العقليون غير الدينيين لا يُعوِّلون على النص الديني، بل على العقل الفلسفي الموصل إلى الإيمان بالله، وحياة ما بعد هذه الحياة، وعلى العقل الأخلاقي الموصل إلى السلوك الإنساني الحسن، فهم يؤمنون بالعقل كمصدر للمعرفة الإيمانية، ولا يُقرّون بالوحي، إلا إذا ثبت لهم صدق الوحي باليقين القاطع، أو الظن المجاور لليقين. ولكن هناك فريق ثالث من العقليين الإلهيين، هم الدينيون الظنيون، الذين يحصرون يقينهم بالواجبات العقلية من مقولات أي دين، وقد يؤمنون من المقولات الدينية بالممكنات العقلية على نحو الظن، لا اليقين، وقد يرتبون الأثر على الإيمان الظني، أو يسلكون طريق الاحتياط، بحيث تكون أعمالهم صحيحة مع احتمال صدق الدين، ومع احتمال عدم صدقه، أي يتعبدون على المذهب الظني، الذي سيوضح هذا الكتاب في أحد فصوله أسسه ومعالمه، ليبقي الباب مفتوحا أمام الظنيين، كي لا يُحرَموا من التدين بما هو نافع من الدين، ومن أجل ألا يؤدي عدم حسمهم بالضرورة إما إلى الالتزام الممزوج بالشك، ولعله الموحي لهم بالوقوع في مطب النفاق، مما يسبب لهم شعورا من عدم الارتياح، والذي بدوره يُفرغ عبادتهم من روحانيتها، وإما إلى عدم الالتزام، الذي قد يجعلهم في حالة من تأنيب الضمير، من خلال التخلي عما يحتملون وجوب الالتزام به. فهم باختصار أولئك الموقنون بالله الذين لا يملكون دليلا على صدق الدين من جهة، لكن دون دعوى امتلاكهم الدليل على عدم صدقه من جهة أخرى.