السلوك السائد في الحياة السياسية العربية , هو سلوك التأجيل , وإنعدام أو ندرة سلوك التعجيل.
والفرق أن في التأجيل فقدان التفاعل مع الزمن بإستباقية وتوثب وإنطلاق , وفي التعجيل يتحقق هذا.
والتأجيل يعني التراكم , والتقيد بالمفردات التي لم تأخذ مستحقاتها الفكرية والثقافية والإجرائية.
وقد مضت الأجيال في دوامة مفرغة من التأجيلات المتلاحقة , التي أدت إلى تراكمات ثقيلة وتفاعلات مضطربة , تتسبب في مشاكل لا تعرف حلولا , بل تطالب بمزيد من الإرجاء والتأجيل , حتى يتوحل في أجيجها جيل مسكين لا ناقة له فيها ولا جمل.
وبسبب هذا السلوك ترانا نتحدث ونكتب وكأننا في القرن السابع أو الثامن من التأريخ , ولا تريد أن نصدق بأننا في القرن الحادي والعشرين.
ذلك أن التأجيل قد حقق آليات تفكير في أدمغتنا لا يمكنها أن تتواصل مع زمنها , وتتفاعل معه بطاقات الحاضر والمستقبل , وإنما بالإنغماس العميق في قيعان الماضيات والمؤجلات من الحالات والصراعات والتداعيات.
وهذا السلوك يفرقنا عن سلوك الأمم الأخرى التي تسعى إلى التعجيل في خطواتها ومنطلقاتها , وإبتكارها الحلول للمشاكل الثقافية , فهي تأتي بما لا يحصى من الحلول لما لا يحصى من المشاكل , وتتخفف من أعبائها وتزداد قوة في إنطلاقها المتسارع نحو أهداف تلدها آليات تواصلها مع زمنها , لأن حلول المشاكل تفتح أبوابا جديدة وآفاقا شاسعة ذات تطلعات منظورة تنتصر بها تلك الأمم على حاضرها , وتتمسك بغدها المشرق الذي تسطع فيه أفكارها وتتنامى أهدافها.
فالأمم المتقدمة قد أسقطت من قاموس وجودها سلوك التأجيل , وإندفعت بكل ما فيها من طاقات نحو سلوك التعجيل والإنجاز والولادات الواعدة المنبثقة من إرادة التعجيل.
والفرق واضح ساطع شاسع بين مجتمعات المُؤجِّلين والمُعَجِّلين.
فعجّلوا ولا تؤجّلوا!
و “خير البر عاجله”!
فهل سنتعلم مهارات التعجيل ونتخلص من ويلات التأجيل؟!!