23 ديسمبر، 2024 7:49 ص

اذا كنّا نختلف قليلا أو كثيرا في وصف ماجرى ويجري اليوم من احتجاجات صاخبة على الساحة العراقية الملتهبة ..فإنها على اقل تقدير بعثت برسائل غير مطمئنة الى الدول الإقليمية والعالم أجمع ..كما انها وصلت الى حدود لا يمكن التراجع عنها.. أقلها المطالبة بتغيير اوسع يشمل القيادات والأحزاب المتنفذة .
وفي استعراض مختزل فان سنة ( ٢٠١١ ) كانت انطلاقة الشرارة الاولى
في ساحة التحرير والتي قمعت بعنف مفرط من قبل اجهزة نوري المالكي ..ثم اندلعت مرة اخرى في ٢٠١٥ وبعد وقت ليس بالقصير انتابها الضعف والتراجع الى ان تم تغذيتها بمظاهرات صدرية مليونية ..لكنها للاسف تعرضت الى تغيير مسارها ونهجها وتوظيفها و استغلالها .
نحن اليوم وفي سنة ( 2018 ) من شهر تموز اللاهب امام مرحلة جديدة ومهمة / فلأول مرة تخرج مظاهرات عفوية ليس للأحزاب الدينية والسياسية اي دور فيها .. ليتضح للعالم ان الاحتجاجات السابقة والتي تفتقر الى دينامية سياسية وقيادية تتفجر من جديد بزخم اكبر أدهش الجميع وما زالت مدن الوسط والجنوب تغلي وان توقفت قليلا لحسابات ستراتيجية ..وسيستمر الغليان بفعل ثلاثة ركائز مهمة.. / وقودها الفقراء.. وإعلامها مواقع التواصل ..ورصيدها الطبقة اليسارية المثقفة / والجميع تحرك بخطى ثابتة ليضع حكومة العبادي في مأزق لايحسد عليه..الامر الذي جعله يستحضر كل أدوات السلطة لتجنب الانفجار الأكبر .
طبعا ..جرت وستجري محاولات شتى لترويض وامتصاص غضب المتظاهرين المطالبين بحقوقهم / من تقديم وعود كاذبة الى اجراءات ترقيعية.. وفي المقابل هناك اجراءات حكومية تعسفية ومصادمات دموية نتج عنها قتلى وجرحى من الطرفين ..وايضا ملاحقة رموز المتظاهرين من قبل فصائل مسلحة متنفذة وايداعهم في معتقلاتها الخاصة .
لايخفى على احد .. ان السيد حيدر العبادي تعامل مع غضب الشعب بوجهين / الحمل الوديع الذي يتحدث لوسائل الاعلام بلغة مسالمة .. والحاكم المتسلط الذي تدعمه الميلشيات والذي لايقل قساوة وخبثا عن سابقه المالكي .

ان سنوات الغليان السبع أسفرت عن حقيقة ثابته / ان إصلاح النظام السياسي الحالي بات مستحيلا وان إدارة الدولة يجب ان تتغير شكلا ومضمونًا ..كما / ان التغيير لايمكن ان يحدث الا بإبعاد جميع رؤوساء الكتل وأحزابهم الفاسدة عن المشهد السياسي بشكل قاطع .. وعلى الرغم من صعوبة التغيير ..لكنه ممكن التحقيق بأمرين لا ثالث لهما:
1 / استمرار التظاهرات على شكل عصيان مدني وفي جميع أنحاء العراق الى ان تتم ازاحة هذه الطبقة السياسية الفاسدة باكملها .
2 / إمكانية حدوث مواجهات متوقعة بين الفصائل المسلحة بسبب الموقف من ايران واهتزاز صورة طهران في مدن الجنوب كما ان الضغط الامريكي المتواصل على النظام الايراني هو الاخر سيزيد من حدة التوتر و إذكاء الخلافات العقائدية والسياسية المستمرة في أنحاء العراق .. مما سيكون تبريرا لإعلان حالة الطواريء وانبثاق حكومة تصريف اعمال لسنتين يتم خلالها تغيير الدستور وإجراء انتخابات جديدة.
واذا لم يحدث احد هذين الامرين ..فان التدخل الخارجي الاممي بقيادة الولايات المتحدة سيكون ممكنا بإعلان عودة
العراق الى الوصاية الدولية وإخضاعه للفصل السابع مرة ثانية.
اخيرا..لقد كشفت الأحداث الاخيرة ..ان قدسية الأشخاص والأحزاب الدينية والمقار الحزبية لم تعد قائمة بعد ان أصبحت بيوتهم مثل بيوت العنكبوت ..لاشئ يقدسها ولا شيء يحميها ..طالما ظل الشعب هائجا جائعا و متشردا في ربوع عراقنا الجريح .