لاتهدأ الذكريات التي تهب مثل الريح على دغل القصب , وتنتفض كموج البحر على الصخور , فتتلمس لها طريقا بين متاهات عدة او تتيه في غابات نائية … ومرات تجنح لمحو تفاصيل هشة .
ومثل الصباح الذي وصل على عربة قطار يسير بالفحم تترك ألآيام نَوَافِذُ غرفها مفتوحة !
و كصوت الرعد يضرب على وجه زجاج صافِ أسمعه أَلاَنَ مع أولى الهوايات , هواية جمع الطوابع المنتشرة على الاغلب بين أبناء الميسورين لكننا نحن المراهقين الفقراء المشاغبين , الذين نعود على اطراف اصابعنا بعد كل مغامرة , ونكتشف ان طريقنا المتعرج هو اقصر الطرق أتبعنا هواية فريدة وهي جمع قصاصات الصور في دفاترنا المدرسية !
لم نبدا بجمع صور القديسين أو رؤساءالدول او رجال الدين !
ففي زمن ازدهار مجلات الكواكب المصرية والشبكة والصياد اللبنانيتين , التي كانت عونا لنا في اقتطاع صور ننام بين اغصانها , بدأنا بصور لشادية , ونادية لطفي , وسعاد حسني , وصباح وصورة لبرلنتي عبد الحميد وهي تجلس على دكة شباك , فنكتم دهشتنا للكتفيين العاريين ! واقتطعنا صورة للبنانية جورجينيا رزق ملكة جمال الكون وهي تلبس البكيني على الشاطي ..
وبما يشبه ازالة سحابة هائلة من الغبار تابعت قصاصاتنا مغامرات نجوم هوليوود وممثلي السينما الفرنسية ألصقنا صور لايف مونتان , والن ديلون , والامريكي الفيس بريسلي , لكن أزلناها بسرعة البرق … القصاصات للجميلات فقط !
السرية في الاحتفاظ بدفتر قصاصات الصور تشبه أحتفاظ جنرال بموعد الحرب .. لكن كاثرين هيبورن , بريجيت باردو , إنغريد بيرجمان, ناتالي وود , وصوفيا لورين , اليزابيت تايلور يستحقن منا تلك السرية التامة
في يوم ما نشرت مجلة الصياد صورة لفاتنة ساحرة من مطربات فرنسا ( ميراي ماثيو ) نبهنا صديق الى ان قَصَّة شَعْرَها أصبحت موضة لبنات جيلها انذاك .. وببساطة شباب غض لم يفقه الا العالم القريب منه نتساءل , ماذا لو كان لها صورة بضَفَائِرُ طويلة او تسريحة مختلفة , او وضعت شَعرا مستعارا .. لكن ذلك لم يحدث.
وقبل عقد من الزمن كنت قد اجريت مقابلة مع الآديبة والاعلامية منى سعيد الطاهر عن طريق الانترنيت وأثناء عملية البحث في الغوغل عن صور( لمنى سعيد ) كانت ذكرى , ميراي ماثيو ودفتر الصور كحلم قابل للأستئناف !
ولتبدا المقارنة بتلك التسريحة الشهيرة التي تكاد تكون ماركة مسجلة بأسميهما ولم تغرهما تقلبات موضة التسريحات ,
ميراي ذات الاطلالة الساحرة والفنانة الاشْهُربعد الراحلة إديث بياف , غنت مؤخرا”امام جمهورها الذي رفض ان يخرج في ختام الحفل وعادت اليه لتغني وهي حافية القدمين .
أما سليلة حضارة بابل ( منى ) فابتسامة غامضة في كل صورة لها تذكرني بمقولة فرويد حين يقول ان دافنشي يستعيد ذكرى أبتسامة والدته الغامضة التي رسمت على وجه الموناليزا, ربما (منى ) تستعيد تلك الايام , تقول في تلك المقابلة (وبتصميم مثابر سعيت للعمل في الصحافة بينما لم أزل طالبة في المرحلة الثالثة من كلية الآداب فرع اللغة الألمانية ، وكم كانت دهشة أهلي كبيرة حين فاجأتهم بطلبي بالاشتغال في مطبعة صحيفة “طريق الشعب” التي كان مقرها بين بيوت دائرة الأمن العام آنذاك )
ومنى سعيد الطاهر الطفلة أطلقت ذات مرة العنان لصوتها بأغنية ” بتلوموني ليه ” لعبد الحليم حافظ بعد احتفال رفعة العلم يوم الخميس !
لكن ميراي لم تغن في حفل رفع العلم ……….. وابتدأ مشوارها تحديدا في 28 حزيران 1964 عندما فازت بمسابقة غناء نظمتها بلدية أفينيون، وكانت حصيلة مشوارها الفني , 130 مليون البوما و55 مليون اسطوانة بأغنية منفردة وسجلت 1200 اغنية في 11 لغة من بينها الصينية والفنلندية
الان لم يعد هناك دفتر لقصاصات صور نضع فيه صورة (منى ) كايقونة عراقية بابلية ونتفرج فيه مثل القطط المحبوسة مادام لم يبق من الجمر المنطفى ء سوى دخان ضئيل و نجلس متفرجين اسفل السلم المؤدي الى النجوم
• منى سعيد الطاهر من مواليد بغداد 1955
• حاصلة على شهادة البكالوريوس من جامعة بغداد عام 1977 لغة المانيه ولها ثلاث كتب مترجمة
• عملت في الصحافة العراقية والعربية
• لها مجموعة قصصية عن ادب الاطفال