18 ديسمبر، 2024 6:19 م

بين مطرقة الرذيلة وسندان الضحية

بين مطرقة الرذيلة وسندان الضحية

لم تكن هذه الشابة تجيد غير هذه المهنة التي يعتبرها الكثير مخلة بالشرف أو ربما يعذرها القليل في زماننا عن مهنتها !, فهي لا تملك في حياتها اليومية غير التسكع بين النوادي الليلية ومراكز التدليك وربما في منازل مختصة بهذه المهنة , ناهيك عن ترويج جسدها الفتي في معظم المجلات والإعلانات في أحيان كثيرة , كانت ولا زالت هذه الفتاة التي تبلغ من العمر ثلاثة وعشرون عاماً كساعة رقاص تتأرجح بين شتى الأجساد والأحضان في كل ليلية تقريباً …
كان الفقر المدقع هو السبب الرئيس لبغائها أو لنقل خيارها الوحيد في حياتها فوالدتها التي لم يعد عمرها يسعفها عن تدبير أمورها كما هو الحال في السابق رضخت لمهنتها مع مرور الوقت تاركةً جامعتها في وقت مبكر, رغم أن ذلك كان وسيظل له وقع أليم في دخيلة نفسها فهي الجسد الذي يجب ان يستباح كل ليلة بأجور متفاوتة تعتمد على نوع الزبون ومركزه الاجتماعي رغم أن غالبية من كانوا يترددون عليها تتجاوز أعمارهم الثلاثين وربما أكثر من ذلك العمر بكثير .
في كل ليلة يطأها رجل كان شعور المرارة والحزن يختلج في نفسها رغم محاولاتها البائسة لكتم ذلك أمام الزبون فهي في عمل بغض النظر عن مدى وضاعته إلا إنها مضطرة لأن تظهر بمظاهر المبتسمة خفيفة الدم تماشياً مع سياقات المهن . وهكذا كانت كل ليلة بمثابة سكين يحفر في أحشائها إذ ظهر عليها الوهن رويداً رويداً, فهي لم تجد وظيفة مرموقة تحفظ لها مكانتها من جهة ولم تترجى شيئاً من والدتها التي تنتظرها كي تعطيها نسبة من أجورها كمصروف اعتاد الأخيرة عليه منذ استقالتها من عملها من جهة أخرى .
لا شيء تغير في قرارتها كأنها فريسة تلك الأجساد العابرة البعض كان يعاملها بنوع من الإزدراء والبعض الآخر يظهر لها شيئاً من الاحترام لكن هذا لن يغير من نظرة المحيطين بها إليها بطبيعة الحال . لهذا أضحت هامشاً غير مرغوب في هذه الحياة وظل تساؤلها عالقاً في الفضاء لم تجد له أدنى جواب منذ امتهانها لعملها فهل هي غانية تستحق العقاب والنبذ من محيطها ؟, أم إنها ضحية ظروف معيشية أجبرتها بمرور الوقت على المتاجرة بذلك الجسد الفتي رغماً عنها ؟.
عادت إلى بيتها في ساعة متأخرة من الليل كما يفرض عليها عملها بشكل يومي كانت تعلم بأن أمها نائمة في غرفتها ولهذا لم تشأ إيقاظها ,فكرت طويلاً وتأملت مع نفسها ما الذي ستفعله غداً هل ستظل على هذا المنوال طوال حياتها هل ستظل لعبة بيد الأجساد لبقية عمرها تمارس الجنس ومن ثم تأكل وتنام ؟. فجأة …. داهم مخيلتها كابوس طويل يخنق أنفاسها يوصد أبواب الأمل في وجهها وكان صوت عقلها يخاطبها ويجيبها على تساؤلها بأنها زانية تستحق الاحتقار في حياتها والعقاب في عالمها الآخر ,وفور حدوث ذلك انفجرت بالبكاء طويلاً دون توقف.
لم يكن أمامها من خيار غير السفر بعيداً بهدوء وان كانت الطريقة مفجعة .
ولجت الحمام وبيدها جرة مملوءة بالزيت سكبت على جسدها العاري دون تردد كأنها بذلك تؤدي بروفا تمثيلية مع نفسها حيث لم تكن الرهبة والهلع يجتاحانها كحال الكثير الذين يقدمون على مثل هذه الخطوة ورويداً رويداً اكتسى جسدها بالمادة القابلة للاشتعال , ولم تكن غير لحظات وداع فارقة يصحبها تأمل جميع ذكرياتها كان آخرها أحداث هذه الليلة التي لا تختلف كثيراً عن أخواتها . أشعلت الولاعة في ردفها الأيمن لتلتهما النيران بشكل خاطف كومضة برق إلى درجة لم تستطيع فيها الصراخ أو التأوه . لم تكن سوى عشر ثوان فقط أنهت فيها مسلسل حياتها على هذا النحو بينما أمها في الغرفة المجاورة كانت تغط في نوم عميق !.