18 ديسمبر، 2024 8:10 م

بين ماض وحاضر.. فرح خفي وحزن متمكن

بين ماض وحاضر.. فرح خفي وحزن متمكن

نجتر ذاكرتنا ونقلبها لنحصل على احداث وصور، نستطيع من خلالها الحديث والكتابة عن اوقات سعادة وان كانت شحيحة من ماض حزين، لنمسك باطراف فرح مهزوم من حاضرنا الموجوع، حاضرنا الذي رسمنا له لوحة جميلة نَسعد ونسُعد بها، ولكن واَه من لكن التي لازمتنا منذ زمن بعيد، ونحن نسعى لحياة في الحدود الدنيا من الكرامة والعيش بأنسانية.
فبعد التحرر من الدكتاتورية التي تحكمت بجميع مفاصل حياتنا حتى البسيطة منها، تأملنا خيرا بان لا تعود ذاكرتنا تفتش عن لحظات ابتهاج في ظلمة قاسية، لان فجر حاضرنا سيجزل علينا راحة بال وعيش كريم.
ولكن وها نحن نعود للكن مرة اخرى، وذاكرتنا تشاكس مخيلتنا، لتعود بنا للتفتيش عن اشياء قد تبدو جميلة، فهل كانت ازقة محلتنا الضيقة وعتبات منازلنا الصغيرة والتي تجلس عليها النسوة عصرا لتبادل الاحاديث والقصص بعد رش كل امرأة امام دارها بالماء وتنظيفه رغم عدم اكسائها جميلا، وهل كنا نحن اطفال وشباب الحي الذين نتخذ من تلك الازقة ملاعب لنا جميلا، وهل كان صوت الباعة المتجولين صباحا ومساءا الذي كان جزءا من تفاصيل حياتنا، صبيحة ام الروبة وابو علي ابو الكبة وصوت ابو بدرية ابو الباقلاء، وبائع العالوجة وبائع الفرارات وصوت بائع الهريسة الجهوري فجر كل يوم فهل كانت تلك الصور جميلة، وهل الفقر والعازة بسبب الحروب والحصار كان جميلا. ممكن القول ان راحة البال وسهولة العيش وحراك العمل هي من تجمل تلك الصور رغم قبح زمانها،
لتختلط علينا الصور بين فرح خفي وحزن متمكن، في حاضر ساسته وحوش تتصارع على غنيمة سال لها لعابهم، وليقتسموا تلك الغنيمة مع اولياء نعمهم، على حساب اوجاع واحزان شعوبهم، فلا امن ولا عمل ولا خدمات ولا تعليم ولا صحة، ولا ازقة تجتمع فيها نسوة واطفال، ستة عشر عاما مرت وتلك الاعوام التي منينا انفسنا بان تكون خيرا وخلاصا لماض كالح اجبرتنا ان نجتر ذاكرتنا.