22 ديسمبر، 2024 11:23 م

بين ماضي بغداد وحكم التيار..

بين ماضي بغداد وحكم التيار..

كعادتي اليومية بالتجوال في مواقع التواصل الاجتماعي واثناء تقليب الصفحات على (الفيسبوك) لتجاوز الساعات الطوال لايام “المرض” التي قد تكون الاصابة الثالثة بفيروس كورونا، قفز امامي وبشكل مفاجئ ارشيف يضم العديد من الصور ومقاطع الفيديو لمحافظاتنا منذ بداية القرن الماضي وايام دخول الانكليز، وخاصة في العاصمة بغداد وصولا إلى ماقبل العام 2000 بعدة اشهر، فا اخذني الفضول لزيارتها واحدة بعد الاخرى فهنا صور عن حياة بسيطة وابنية أثرية وجسور عتيقة مازالت تلامس أطرافها مياه دجلة والفرات، وبعدها عربات تجرها الخيول مع شوارع انيقة تمتد بين ازقة بغداد القديمة ولعل شارع الرشيد كان اجملها الذي تمتد على طوله الجوامع التاريخية ومطابع للكتب وگانك مازلت تتنفس فيها رائحة الورق.

اكملت المسيرة في التجوال بين ارشيف العاصمة التي كانت سماؤها صافية ورائحة الحياة فيها جميلة على الرغم من وجود الفقر في بعض ازقتها لاسباب كثيرة لا تتعلق فقط بنتائج طريقة النظام والحكم في حينها انما بطبيعة الانسان ايضا، فهناك من يختار العيش بقرب النهر والاستمتاع بحياة الصيد وبناء اكواخ الطين، ولا يستطيع العيش في زحمة المدينة.. نعم تلك المدينة التي سرعان ما تطورت بعد سنوات السبعين واصبحت الابنية في شارع حيفا تطل منها على احياء بغداد القديمة، فاصبحت احدى مضرب الامثال للعديد من الدول الجارة والتي نلتقي معها بلسان العربية، وتمنت العديد من البلدان حينها ان تكون عواصمها ومدنها كجمال بغداد، هنا نحتاجة لوقفة قصيرة حتى لا يفهم بعض القراء الاعزاء بان الاعمار الذي شهدته تلك المرحلة من تاريخ بغداد لا يعني تمجيداً لنظام صدام حسين ابدا.. انما مرحلة تاريخية لابد من ذكرها فالتطور في مدننا يمتد لنحو قرن قبل ان يتوقف بفعل سياسات وفساد مابعد العام 2003.

انهيت جولتي بين الارشيف الذي لم يترك غير الحزن على واقع نعيشه، وكيف تسلط علينا “جهابذة” العملية السياسية واهتماماتهم التي ابتعدت كثيرا عن بغداد واهميتها وجمالها، على العكس اضاعوا الحجر والبشر ولم تبقى قيمة للانسان، واصبح ثمنه ارخص من رصاص واحدة كفيلة بانهاء حياة من يعترض عليهم او يخالفهم بالراي وينتقد تصرفاتهم وفسادهم، حتى من يبحث عن الحلول للخروج من الازمات التي تعوق التطور في المجالات المختلفة يتحول هدفا سهلا لبنادقهم لانه ببساطة يعطل مشاريعهم التي يكسبون من خلالها الاموال لرفع ارصدتهم، تخيل عزيزي “المواطن”، انه في كل انتخابات بعد 2003، تخرج علينا قيادة اسوء من سابقتها حتى وصل الامر، لشخصية “مهزوزة” تمتلك قدرة كبيرة على “الكذب والتصنع” إضافة إلى الهروب من المواجهة، والامثلة كثيرة مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، التي لو اردنا احصائها سنحتاج للعديد من المقالات، ولعل واحدة منها تسليم “الجمل بما حمل” للتيار الصدري وزعيمه السيد مقتدى الصدر، واصبحت الحكومة صدرية بامتياز، من اجل الحفاظ على منصبه.

نعم… واهم من يعتقد بان التيار الصدري سيشكل الحكومة المقبلة لاول مرة، فالتيار يدير جميع مفاصل حكومة الكاظمي من الامانة العامة لمجلس الوزراء وحتى اصغر مؤسسة حكومية قبل ان يزحف التيار بالسيطرة على الحكومات المحلية، بعد الاطاحة بالمحافظين واستبدالهم بصدريين يضمنون “خراج” تلك المحافظات للجانهم الاقتصادية في التيار، ولعل ما سنشهده في الايام المقبلة قد يكون الاسوء مع “حجة” الاغلبية في الحكم التي يريدها زعيم التيار الصدري في تشكيل الحكومة واختيار رئيسها، فهل تتوقعون كيف سيكون شكل الحكومة حينما تصبح جميع الامور بيد رئيس الكتلة الصدرية حسن العذاري، تخيلوا بان حاكم الزاملي هو من سيدير البرلمان والسبب واضح، محمد الحلبوسي مجرد لعبة صغيرة بيد التيار الصدري كما هو الحال مع الكاظمي.

الخلاصة… ان بغداد بتاريخها وحضارتها الكبيرة اصبحت مجرد صفقة سياسية يتناوب عليها الزعماء، وبدلا من اعمارها واعادتها كنموذج تحترمه العالم وتقتدي به وليس تهرب منه وتعتبره اخطر مكان للعيش، بلادنا تحولت بفضل اصحاب المعالي لمجرد صندوق اموال او “مغارة علي بابا” التي سمعنا عنها في القصص حينما يتسارع عليها السراق للحصول على مابداخلها، لكن في النهاية سيأتي اليوم الذي يختلف فيه لصوص العملية السياسية ونرى حينها عودتهم لاعلان البراءة وقد لا يستغرق ذلك سنتين من عمر البرلمان الجديد،… اخيرا… السؤال الذي لابد منه…ماذا سيكتب التاريخ عن بغداد بعد مائة عام حينما يقلبون صفحات ارشيفنا؟.