27 ديسمبر، 2024 8:00 م

بين لعنة الفراعنة ولعنة منصب رئيس هيئة النزاهة

بين لعنة الفراعنة ولعنة منصب رئيس هيئة النزاهة

(لا تفتح التابوت , فسيذبح الموت بجناحيه كل من يجروء على ازعاجنا )
كانت هذه العبارة هي اول عبارة قرأها هوارد كارتر واللورد كارنافون عندما دخلا مقبرة الفرعون توت عنخ امون عام 1922 بعد بحث استمر ستة سنوات ورغم التحذير الا انهما قررا المضي في فتح التابوت لتبداء بذلك قصة مايعرف الان بلعنة الفراعنة التي اصابت كل من شارك في عملية الاستكشاف لينتهي كارنافون ميتا بمرض غريب لم يعرف سره لحد الان ولينتهي كارتر مفلسا رغم المجد الذي حققه في عملية الاستكشاف . وباعتبار ان الشعب العراقي معروف بروح المبادرة والابداع فقد خلقنا لعنتنا الخاصة الا وهي منصب رئيس هيئة النزاهة .

منذ عام 2004 وهو العام الذي تم فيه انشاء الهيئة الوطنية للنزاهة والتي انشئت باسم هيئة النزاهة بامر صادر عن سلطة الائتلاف المؤقته بالرقم 55 تعاقب على رئاسة هذه الهيئة ثلاثة قضاة ومفتش عام وهم كل من القاضي راضي حمزة الراضي والاستاذ موسى فرج والقاضي رحيم حسن العكيلي واخيرا وليس اخرا القاضي علاء الساعدي والاربعة من الاشخاص المشهود لهم بالنزاهة والعلمية والشجاعة الا ان المصير الذي واجهه الرؤساء الثلاث الاول يجعلنا قلقين على مصير الرئيس الحالي ويثير الكثير من التساؤلات التي لم نعثر لها على اجابة وجعلت من مصير لعنة منصب رئيس هيئة النزاهة مشابه لمصير لعنة الفراعنة .

لو عدنا الى بداية انشاء هذه الهيئة واكاد ازعم بانني كنت قريبا من تلك المرحلة وشاهدا على الجهود الجبارة التي بذلها الاستاذ القاضي راضي الراضي بعد اختياره رئيسا للهيئة الوليدة تاركا خلفه منصبه المريح كرئيس للمحكمة الجنائية المركزية وقد كان اختياره بناء على سمعته كواحد من اكثر القضاة العراقيين علما ونزاهة ونضالا ضد النظام الدكتاتوري وقد شهدته عدة مرات وهو يتخذ من حقيبته الخاصة مكتبا لكتابة المذكرات والقرارات بالاضافة الى الاشراف على عمليات البناء والتاثيث لمقر الهيئة وكذلك اتصالاته الشخصية لاقناع العديد من الاشخاص للقبول بالتعيين في ملاك الهيئة وبعد عمل شاق استمر لمدة عامين فوجيء الجميع بسفر القاضي راضي الراضي الى خارج العراق وصدور امر بعزله واحالة عدد من القضايا ضده الى المحاكم الجنائية والتي والحمد لله تم اغلاقها من قبل القضاء لعدم ثبوت الادعاءات ضده وبالرغم من عزله الا ان سمعة الاستاذ راضي حمزة الراضي بقيت علما يهتدي به من يبحث عن النزاهة ونظافة اليد .

عام 2007 حل الاستاذ موسى فرج بديلا عن الاستاذ راضي الراضي في منصب رئيس هيئة النزاهة ورغم من عدم معرفتي الشخصية بالرجل الا ان اختياره جاء بناء على ماابداه خلال عمله مفتشا عاما في وزارة الاشغال العامة من نزاهة ونظافة يد واصرار على الحق وقد استمر الرجل بعد توليه المسؤولية بنفس النمط من العمل الدؤوب في محاربة الفساد الاداري الا ان تمكنت منه لعنة المنصب ليتفاجاء الجميع باحالتة على

التقاعد بعد تبادل اتهامات وتصريحات نارية لم نعرف مصيرها ولا مصير من اطلقها . ولكن يكفي الاستاذ موسى انه خرج من الهيئة كما دخلها نظيف اليد مرفوع الراس .

عام 2008 جاء الى المنصب الاستاذ القاضي رحيم العكيلي وهو المعروف بعلميته ونزاهته التي لاغبار عليها طيلة عمله في القضاء وقد كان لي شرف حضور عدد من محاضراته القيمة في مجال القانون المدني والمرافعات المدنية والتي كانت تعكس علما واسعا مع ديناميكية في التحري عن المعلومة الجديدة والمتطورة واسلوبا سلسا في تقديم المعلومة وبعد عامين من العمل الدؤوب والجاد فوجئنا بتركه للمنصب في قرار لم يحدد لحد الان هل هو عزل ام تقاعد فقد عاد القاضي الفاضل الى موقعه في مجلس القضاء الاعلى ليحال على التقاعد بناء على طلبه لتبدا بعد ذلك رحلة الالم ليتحول المدافع الاول عن النزاهة الى متهم ولتصدر ضده خمسة احكام قضائية . ومهما يكن من ملابسات في هذه القضايا والتي لايمكن التدخل بها باعتبارها من اختصاص القضاء الا ان علمية وسمعة الاستاذ رحيم يشهد بها العديد من المنظمات الدولية التي مازالت تعتبره مرجعا في مجال مكافحة الفساد ويحل محله القاضي علاء الساعدي الذي جاء بعد سجل ناجح في ادارة هيئة نزاعات الملكية وهو مازال في موقعه وندعو له ان لاتصيبه لعنة المنصب .

طبعا لسنا هنا لمناقشة احكام القضاء ولا لمناقشة الاجراءات الادارية بالتعيين او العزل او الاحالة على التقاعد ولكن السؤال هو كيف نفسر للعالم هذه اللعنة بحيث ان هيئة لم يتجاوز عمرها العشر سنوات يتعاقب عليها ثلاثة قضاة لايشوب سمعتهم او علميتهم اي شائبة ومفتش عام عرف عنه نظافة اليد والصلابة بالحق ليخرج اثنان من القضاة بقضايا جنائية واحكام ضدهما ويخرج المفتش العام باتهامات متبادلة وكيف نفسر للعالم ان رجل حافظ على نظافة يده وسمعته تحت تعذيب النظام الدكتاتوري وقاتل بشجاعة يشهد بها الصديق والعدو مثل الاستاذ راضي الراضي يخرج من وطنه ملاحقا ولايجد في ارض العراق الذي ناضل من اجله موقعا يتسع له وكيف نفسر للعالم ان قاضي كان يدرس للقضاة والمحامين مادة المرافعات والقانون المدني مثل القاضي رحيم العكيلي يخرج محملا بخمسة احكام جنائية وهو الذي لم يشهد تاريخه القضائي هفوة واحدة يحاسب عليها وكيف نفسر للعالم ان رجل صلب مثل موسى فرج يتم اخراجه بهذه الطريقة . عموما قد تكون هذه اللعنة مثل لعنة الفراعنة ويجب على من يقبل بعذا المنصب ان يقرأ العبارة التي نقشها توت عنخ امون على مقبرته . واخيرا ندعو ان لاتصيب تلك اللعنة الاستاذ علاء الساعدي .