إن الاعتداءات الأخيرة التي حدثت في قلب العالم المتحضر أوربا والتي أعلنت التنظيمات الإسلامية المتطرفة والمتمثلة بالقاعدة الأم (قاعدة الظواهري )وتنظيم داعش الابن بقيادة البغدادي , المسؤولية عنها ,والتي هزت المجتمع الأوربي بكامله شعوبا وحكومات ,لفتت انتباه العالم لوحشية التنظيمات المتطرفة ومدى تأثيرها على الحضارة الغربية ,كما اكتشف العالم الخطورة العالية للتنظيمات أنفة الذكر ,فالولايات المتحدة وأوربا كانت تعتمد الحرب ضد التطرف الإسلامي في الدول الراعية له مثل أفغانستان أي في قاعدة التنظيم أو حاضنته ولكنهم الآن مضطرون إلى حرب التنظيم في قلب أوربا أو في قلب العالم الحر وهذا له تداعياته الخطيرة ومشاكل سياسية واجتماعية من الصعوبة التخلص من تبعاتها ,
لم تعي الولايات المتحدة أن تنظيم القاعدة استفاد من أخطائه السابقة التي حدثت في حرب الولايات المتحدة ضده في أفغانستان والعراق ,وتجاوزها ,لا بل وظف التكتيكات العسكرية المجربة في شوارع بغداد والمحافظات العراقية في شوارع لندن وغلاسكو عام 2007 وباريس عام 2015.
كما استطاع تنظيم القاعدة أن يطور نفسه وينتقل في إدارة شؤؤنه من الصيغة الهرمية ,أي قمة (قيادة أو رأس التنظيم ,وسط ,قاعدة ) إلى صيغة التنظيم الأفقي وهذه صيغة جديدة لم تعرفها التنظيمات المسلحة في التاريخ , وبقيادات ميدانية تتمتع بالاستقلال الذاتي والقدرة على التحرك وعلى اخذ القرارات (قرارات العمليات ) بصورة منفردة بعيدا عن قيادة التنظيم شرط أن تكون محسوبة تصب في صالح أهداف التنظيم في النهاية . ولهذا تجد من الصعوبة متابعة قيادات التنظيم واصطيادها بسهولة , وهذا التغيير حدث بعد الحرب الأمريكية على التنظيم في العراق وأفغانستان واستهدافها لقيادات التنظيم وعلى رأسهم أسامة بن لادن , حيث إن التنظيم حاليا لا يدار من قبل خليفة بن لادن الظواهري مباشرة , وإنما تحول نظام الإدارة إلى اللامركزية المطلقة , وبات متعدد الأذرع إخطبوطي الشكل تدير هذه الأذرع قيادات ميدانية يتم اختيارها بعناية ودقة من أصحاب الهمة والعزيمة ومن العسكريين ,وأصحاب خبرة في العمل العسكري والسياسي في آن واحد , وهذا الترتيب يتيح لقيادات التنظيم التحرك بدون كشفها أو استهدافها ,وهنا لابد من الإشارة إلى إستراتيجية التحالف الدولي في استهداف قيادات التنظيم (داعش ) لن تكون مهمة يسيرة ا و أن تؤتي آكلها خلال فترة وجيزة لان داعش تعي هذي الإستراتيجية وتعمل بموجبها أيضا وإنها لحد ألان لم تزج بقيادتها في المعارك الدائرة في العراق أو سوريا وإنما إدارة المعارك تتم من قبل قيادات من المستوى الرابع أو الثالث كأقصى حد وغالب الجنود يكونوا من المجندين الجدد , وما حدث في أوربا في الفترة السابقة (فرنسا , بلجيكا )خير دليل على فعالية هذا التكتيك , بالإضافة إلى إن التنظيم قد أسس فروع جديدة في مختلف ارض الوطن العربي وبوجه خاص في منطقة الشرق الأوسط , ومن المفاجئات في هذا الخصوص هو وصول تنظيم القاعدة إلى الصين حيث أكثر من أربعين مليون مسلم ,إذ أعلن عبد الحق تركستاني ضم حزب الإسلام التركستاني إلى تنظيم القاعدة ,وكان هذا الحزب أعلن مسؤؤليته عن هجمات استهدفت حافلات في قلب مدينة شنغهاي في أيار 2008 وفي مدينة
يونان في تموز 2008 وحسب صحيفة القدس العربي . وهذه الإستراتيجية رسمها الظاهري بدقة متناهية تحت مسمى (عولمة الجهاد )كما يرد في كتابه (فرسان تحت راية النبي), وهو يحث على اتحاد مختلف الجماعات الجهادية تحت راية القاعدة ليتبلور مفهوم الولاء والنصرة الذي يمثل العنصر الأساسي في مستقبل الحركة الإسلامية المتشددة ,وهو يؤكد أهمية أن تشكل الحركات الإسلامية السلفية نوعا من الائتلاف لحرب الغرب , كما أن اللافت للانتباه إن الظواهري يرسم في كتابه (فرسان تحت راية النبي ) الصادر سنة 2001 الخطوط العريضة لطموحات القاعدة الطويلة الأمد فيقول لابد أولا من إنشاء دولة إسلامية في المنطقة تشكل قاعدة يتم الانطلاق منها لإحياء الخلافة و (مجد الأمة الغابر ), وهذا الذي حدث والذي تم التخطيط له وبمنتهى الدقة فمن الظواهري إلى ألزرقاوي ثم البغدادي ثم البغدادي وإعلان الخلافة الإسلامية بعد احتلال ارض العراق وسوريا ,كما إن هذا الكتاب يشير ولأول مرة على إستراتيجية استهداف عدو القاعدة في عقر داره ,وهو استشراف لأحداث 11 سبتمبر , وبالتالي فالتنظيم يحاول أن يجر الولايات المتحدة والغرب المتمثل بأوربا إلى حرب يكون هو الرابح فيها وهذا ماوعته الولايات المتحدة الأمريكية أخيرا فأمسى تدخلها في حرب تنظيم داعش في العراق يتم وفق حسابات دقيقة تبتعد عن التدخل البري وتكتفي بالطلعات الجوية وتدريب أبناء المناطق التي تحتلها داعش وتسلحهم حتى لا يتكرر الخطأ الذي وقعت فيه أثناء الحرب البرية ضد التنظيم في أفغانستان والعراق التي كانت نتيجتها ازدياد قوة تنظيم القاعدة وولادة تنظيم داعش ومن ثم إعلان دولة إسلامية مع زيادة في حجم الإرهاب , مع استنزاف لمليارات الدولارات مع أزمات اقتصادية حادة يصعب التخلص منها .
يقول أسامة بن لادن مخاطبا الأمريكيين عام 1996 (إن مشكلتكم هي كيفية إقناع جنودكم بالإقدام على الحرب ,أما مشكلتنا فهي كيفية لجم شبابنا عن القتال ) وهو في هذا يعنيها حرفيا فالقاعدة وداعش تعتمد على اندفاع الشباب المسلم باستحضار إسلام الأجداد والسلف بحيث إن الشاب يتحول إلى قنبلة لا يمكن السيطرة عليها أو إبطالها و يتوجه إلى الموت وهو فرحان وهنا تكمن خطورة هذه التنظيمات في تجنيد واستقطاب الشباب المسلم وغسل دماغه لتحويله إلى أسلحة قتل فتاكة جدا لا يمكن السيطرة عليها , لذلك لا بد من السيطرة على آليات التجنيد التي يعتمدها التنظيم المتطرف كخطوة أولى للبدء بالحرب عليه وإذا لم يتم السيطرة على هذه الآليات (آليات التجنيد والاستقطاب )فان التنظيم سيبقى يستقطب أسبوعيا ألف مقاتل جديد حسب دوائر المخابرات الغربية بالإضافة إلى ا ن آخر الإحصائيات تثبت إن تنظيم الدولة الإسلامية داعش يحضى بدعم 60% من المواطنين في بعض الدول العربية والنسبة عالية في السعودية تحديدا باعتبارها معقل الفكر الوهابي الذي يستلهم التنظيم أيدلوجيته منه .ومن المرجح اختراقها قريبا من قبل تنظيم داعش والأحداث الأخيرة في استهداف المخافر الحدودية بين العراق والسعودية من قبل التنظيم دليل على ذلك .للسيطرة على آليات التجنيد لابد من السيطرة على شبكة الانترنت وتكنولوجيا المعلوماتية التي تعتمدها كل التنظيمات المتطرفة في التدريب والتخطيط والعمل اللوجستي ولا نغالي إذا طابقت رؤيتنا رؤية بعض المختصين الذين توصلوا إلى قناعة بان القاعدة وداعش هي أول شبكة مليشياوية تدار عبر الويب .كما يجب أن لا نغفل الدور الإعلامي الذي تلعبه شبكة الانترنت باعتبارها أهم منبر إعلامي تبث التنظيمات الإرهابية سمومها وفظائعها من أعمال الذبح والقتل الذي تمارسه يوميا من خلاله ,وهذا ما أشار إليه
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مؤتمر دافوس المنعقد حاليا لبحث سبل مكافحة الإرهاب, ومن المستغرب هنا أن تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال كل مفاتيحها بيد الولايات المتحدة والغرب ومع ذلك تستمر القاعدة وداعش وكل المنظمات الإرهابية تنفذ أعمالها بدون عواقب .
كما أن اللافت للانتباه أن الحديث بخصوص قاعدة الظواهري انتهى منذ ظهور داعش على ارض الواقع وقد يكون هذا تكتيك جديد تعتمده التنظيمات المسلحة لفك الضغط عن بعضها البعض . *[email protected]