في مجمل إدارة مفاصل الدولة نجد أن القوى الشيعية هي المنتفذة، وليس أوضح من ذلك وجود حيدر العبادي وحزب الدعوة على رأس السلطة التنفيذية، ليس أدل على ذلك نسبة الشيعة في قيادات وقوى الجيش والشرطة والحشد، في بلاد لم تستقم فيها قنوات الديمقراطية، كما يجب، بمعنى ان لا دور للبرلمان في تحريك عجلة السياسة والامن والاقتصاد والخدمات. ويبدو الوسط الشيعي التقليدي سياسيا واجتماعياً سعيداً بهذه الهبة، التي هبطت عليهم من السماء، لكن الناظرين، المتبصرين في البواطن يجدون غير ذلك. هناك اعتقاد عند الكثير منهم بان الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة إنما تستعدي بأفعالها هذه، شرائح واسعة في المجتمع العراقي بمن فيهم الأكثرية الشيعية، التي دفعت ثمن ذلك دماً وفقراً وكراهيةً.
يتحدث المسيحيون في عموم البلاد وفي سهل نينوى بالذات، ومعهم الاقلية السنية في محافظات مثل بغداد والبصرة وغيرها عن مضايقات تمارس بشتى الطرق، اضطرتهم الى ترك منازلهم وبساتينهم، وهذا مما لا يختلف عليه اثنان، وليس أدل على ذلك ما قاله النائب المسيحي عن التيار المدني جوزيف صليوه: (أجنحة عسكرية شيعية زوّرت سندات منازل مسيحية ببغداد وصادرتها لصالح جهات سياسية، فلا تهجرونا عن أرض آبائنا وأجدادنا..) بل ليس ادل عن ذلك من عمليات التزوير والبيوع التي تعرضت لها البساتين الزراعية في البصرة وأبي الخصيب تحديداً، والمملوكة لأهل السنة على وجه التحديد، بعد أن غادروا المدينة الى الخليج ودول العالم متغربين بسبب المضايقات الطائفية التي تعرضوا لها منذ العام 2003 الى اليوم، بالتصريح مرة او بالتلميح مرات عدة.
لا يُخفي النائب صليوه ومعه غالبية سكان سهل نينوى امتعاضهم ومخاوفهم مما تتعرض له مناطقهم من تغيير ديموغرافي، مناطقهم ذات التركيبة السكانية المسيحية المعروفة منذ آلاف السنين، فهو الذي يقول:” الدواعش قتلونا والمليشيات استولت على أرضنا ومنازلنا” وغير خاف على أحد بأن منطقة الدورة في بغداد مثلا باتت شبه خالية تماما من سكانها المسيحيين، ومن يتجول في ضواحي بريهة والجنينة في البصرة مثلاً، من يتجول في الكرادة ببغداد أيضاً سيجدها قد فرغت من المسيحيين، ومن يدخل قضاء ابي الخصيب بالبصرة يفاجأ بالتركيبة السكانية الجديدة، التي دخلت القرى هنا، يفاجأ بالغربة التي يعيشها سكان النخل والانهار، بعد أن جاورهم اناس آخرون، يختلفون عنهم في السلوك والمذهب والتقاليد والعادات.
قد ياتي من يقول إن أرض العراق مُطلقة للسكان حيث توجهوا واقاموا، وللعراقي العيش والسكن حيث شاء. فنقول : نعم، هي كذلك، بكل تأكيد، لكن في ظل القوانين، في ظل دولة لا يستقوي فيها أبن الحزب على المواطن البسيط، لا يستقوي فيها ابن العشيرة المنفلتة على ابن الحاضرة الآمن، لا يستقوي فيها ابن الشيخ، المقاتل في الحشد على ابن الموظف المحترم في دائرته. نقول ذلك ونحذر مع العقلاء في العراق كله، بان الفسحة المتاحة للبعض قد لا تكون نهائية، وليس بيننا من هو ضامن للمتغيرات القادمة، وقديما قال احدهم: ما تشييده اليوم قد ترقص في خرائبه غداً.
نقلا عن صحيفة المدي