كان صدام اللعين يمن على الشعب العراقي بما اغدقه عليهم من خيرات الوطن، وكأنه هو رزاق العباد! بالرغم مما كانت تمر به قطاعات واسعة من الشعب من فقر مدقع، سوى من رضي عنهم صدام ورضوا عنه!أما اليوم فقد أصبحنا نحتسي الماء بقنينة بلاستيكية، وأصبحت قنينة البيبسي كولا لا تفارق أفواهنا، أما اللحوم التي كنا نراها في الأحلام، فقد أصبحت حقيقة مجسدة!هذا ما جلبه لنا النظام الديموقراطي، بل هو ما يصوره لنا السياسيون، بمقارنة جدلية تشمئز لها النفوس فيما بين الأمس واليوم، بين نظام حكم الطاغية صدام وبعثه المشؤوم، وبين النظام الديمقراطي الذي أطعمنا الحرية والكرامة..!من القرف المقارنة بين الحقبتين وبلا موضوعية، إن كان سلباً أو ايجاباً، مع ترجيح أي الحقبتين، لأن في الأمرين خداع كبير للشعب، وتمويه للحقائق، وتسفيه للفكر، وضحك على الذقون، فمن جهة لا سبيل للمقارنة بين الديكتاتورية والديموقراطية، وان كانت الديموقراطية متلكئة، ومن جهة أخرى فإن من يرجح الديكتاتورية فهو واهم لا ريب.أما من يرجح حقبة الديموقراطية على أساس الفارق المعيشي بين الفترتين، والذي تحسن كثيراً مقارنة بتلك الفترة، فهو الآخر واهمٌ او متحيزٌ لفئة من السياسيين الحاليين، فالأمر كما لو كان ثمة شخصاً فقيراً وأتاه أرث يجعله من الأغنياء، لكن هنالك من يسرق ذلك الإرث ويعطيه بعضاً منه، ويقول له إن حالك اليوم أفضل من الأمس!الحقيقة أن السياسيين العراقيين نهبوا ثروات البلد، وتصدقوا علينا بما يجعلنا نعيش في مستوى أعلى بقليل من حقبة نظام البعث البائد، وأقل بكثير مما يمكن ان نعيشه من مستوى، يتناسب وحجم الأموال التي هدرها السياسيون وأذنابهم طوال حقبة الديموقراطية!بالنتيجة وبالنسبة والتناسب، فإن ما خسره الشعب اقتصادياً في زمن الديموقراطية بقيادة السياسيين الفاسدين، هو أكبر بكثير مما فقده في زمن نظام صدام المقبور، سوى ان الفارق كان في مستويات دنيا تقترب من الفقر المدقع، واليوم أصبح في مستويات أعلى.التفكر في الأمر بما يتناغم مع قيم الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان، يكشف حقيقة الأمر ويفضح مكر السياسيين وتبريرات أذنابهم، فكم كان الفقير سعيداً حينما كان الفانوس مصدراً للضوء، واليوم غربت شمس السعادة مع أشكال الأضوية الكهربية المتنوعة! فالكل كانوا سواسية في مصدر الضوء، أما ديموقراطية النهب السياسي اليوم، فقد صنعت طبقات من الترف وأخرى من الفقر القاتل، الذي لا يتعامل مع الطعام والشراب والملابس كما هو في الأمس، وانما تعامله مع الأنفس، فهو فقرٌ هدّامٌ للأنفس، كما كان صدام هدّاماً للأجساد!ولله در الشاعر جبران خليل جبران إذ يقول: فقاتل الزهر مذمومٌ ومحتقرُ .. وقاتل الحقل يُدعى الباسلُ الخطرُوقاتل الجسم مقتولٌ بفعلتهِ .. وقاتل الروح لا تدري به البشرُفسياسيونا وصدام في القتل سواء، وان اختلفت الظروف وأدوات الجريمة، بيد أن النتيجة ذاتها، الا ترون ان أمور البلد لا تصلح، وان كان الله تعالى قد سلط علينا صدام من قبل إذ كان آبائنا ظالمي أنفسهم، فاليوم سلط الله تعالى علينا أصناف الطغاة من بين أيدينا ومن خلفنا، من جانب أعدائنا ومن بين أوضاعنا ذاتها، والقادم أشد وأمر، فرفقاً بنا أيها السياسيون ويا أذناب السياسيين! فقد تهاوت أحلامنا بين ديموقراطية النهب السياسي، وشماعة حزب البعث المشؤوم ..!