22 نوفمبر، 2024 7:23 م
Search
Close this search box.

بين بلاغة لغة الله وبلاغة لغة المخلوق.

بين بلاغة لغة الله وبلاغة لغة المخلوق.

نحن نعلم إن القرأن نُزّل بلسانٍ عربيٌّ مبين، وقول الله عند أستعارته لقول مخلوقه، يردده كما هو سواء بنظمه أوبلاغته، ولانحتمل أن يغير الله نظمه وصياغته، بل يقول بمثل ماقال/ قالوا، وسنذكر أمثلة، ولانتطرق الى قصة يوسف وأخوته وأبيه، ولاعن حوار موسى والعبد الصالح في سورة الكهف ، أو زكريا وزوجه في سورة آل عمران. لأن القرأن مليء بلغة من قال وقالوا.

إليكم بعض الأمثلة، مع وضع (قال أوقالوا) بين قوسين:

وَإِذْ (قَالُوا) اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الأنفال/٣٢ – ٣٣.

فوفق البخاري إن الآية ٣٢ أعلاه هو قَولٍ لأبا جهل – وبغض النظر عن صحة الحديث ومصدره في تحديد قائله، فالله إن لم يحدد القائل فقد ميّز قول القائِل عن قوله، ولنفرض القائل مجهول ولكنه قال بهذا القول، فأخبرنا الله بما قال :

إِن كَان هَذَا هُو الْحَقّ مِنْ عِنْدِك فَأَمْطِر عَلَيْنَا حِجَارَة مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .٣٢

فرد الله عليه بقوله للرسول:

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الأنفال/٣٣

ولن تجد فرقاً في النظم والبلاغة بين قول الله وقول – الذي / الذين – قالوا.!

فإن نطلق على أقوالهم بكلام الله، ذلك لتضمن القرأن لها، بإعتراف النص القرآني (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فصلت( ٢٦)

ثم قوله تعالى((وَقَالُوا) مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا . أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا (وَقَالَ الظَّالِمُونَ) إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا )) الفرقان( ٧ – ٩). إخبار تام لأقوالهم بلسانهم وليس نظمه ولابلاغة( الله ) سبحانه وتعالى!.

( وقالوا)لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا . أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا . أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ…..

ويأتي رده عليهم بنفس المستوى اللغوي:

( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ) الإسراء/٩٠-٩٣.

ومثال آخر:

(وَقَالَ) رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) غافر

وهذه الآية أعلاه هي ذاتها حديث للرسول يذكر نص الآية فذكرها عنه الله!

عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ}» (انفرد به البخاري))؛ تفسير ابن كثير ٤/٧٩. من النت.

وهناك الكثير من الأحاديث لغير الرسول بقوة البلاغة والنظم القرآني إستعارها الله كما هي من مخلوقه فباتت كآيات في القرآن، لأنها أتت عنه هو.

كذلك هناك أحاديث في مسلم والبخاري عن الصحابة، وبالأخص عن أقوال عمر الخطاب وإستعارة الله لكلامه، كلغة نظم وتأليف وبلاغة لآياته، أي إستعارها بالحرف، ونستشهد بالأحاديث التي تعد عند جمهور المسلمين صحيحة السند وشهرتها نارٌ على علم:

* قلت يارسول الله، لو إتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى: وإتخذوا من مقام إبراهيم مصلى( البقرة ١٢٥)
وقلت يارسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب!
فأنزل الله آية، الحجاب،!
قال وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فدخلت عليهن وقلت أن انتهين أو ليبدلن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم خير منكن!
حتى أتيت أحدى نسائه فقالت ياعمر أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم مايعظ نساءه حتى تعظهن أنت فأنزل الله تعالى:
عسى ربه أن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيرا منكن مسلمات ( التحريم – ٥). رواه البخاري( ٤٠٢).

وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ” مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ ، فَقَالُوا فِيهِ ، وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ ؛ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ القُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ “.
رواه الترمذي (٣٦٨٢) وقال: ” وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ “. انتهى.

ولاغرابة في هذا، فكلام عمر عربي – من كونه كلغة – مشابه لقول أبا جهل من حيث النظم والبلاغة، ولو صح حديث عمر بموافقة الله لقوله ورأيه – من دون أن يشير الله لقائلٍ القول ليميز قوله من قول مخلوقه ، كما هو منهجه في بيان قول من قال ثم الرد عليه – فلن يخل الأمر بقدسية الكلام الإلهي أويقلل منها ومن بلاغتها، لأن القرآن جمع بين قول الله وقول من قالوا، وهذا يشهد على أن قول الله حق عندما قال ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا )٢ يوسف. ولكن هل سيعقلون ويفهمون إن الله يتحدث بلسانهم ولاشأن له، بقضية فهم التحدي كإعجاز لغوي!.

فالله قال بمثل من قال، سواء كان القائل أبا جهل أوغيره، أي أتى بمثل ماقال أو قالوا لغة ولساناً.

هل قول أبا جهل أوغيره، فيه من النظم والبلاغة ما لا يستطيع أحد أن يأتِ بمثله؟

بل الله هو من أتى بمثل كلامهم، من الناحية اللغوية والبلاغية، والقرآن كله يمثل لسان العرب، ومن الغريب أن يفهم التحدي القرآني تحدٍ لغوي بلاغي! أو أن يُفهم تحديه في أن يأتوا بمثل كلامه من كونه إعجاز لغوي، بما فيه من حلاوة وطراوة، ونغفلوا أن الله هو الذي أتى بمثل كلامهم وتمثله، بما فيه من حلاوة وطراوة، وإلا لما كانت آيات أقوال الآخرين مشمولة بالوصف ذاته وبدرجة البلاغة والإعجاز ؟!!.

إذن التحدي لاعلاقة له بأن يأتِ المخلوق، بمثل بلاغة نظم الكلام وجزالة اللفظ وعمق المعنى، فالله هو من نظم قوله بمستوى تعابيرهم وبلاغتهم، ولم يغير منها شيئا، فحل كلامهم في كتابه بأسمه هو ( الله) بالرغم من أنه ليس بالتحديد كله كلامه لأنه ناقل لبعضه، ولم يقل قطٌ هذا كلامي، بل كلام من قال.

فكيف يتحداهم باللسان ويقول بمثل ماقالوا؟

أولاً:

الحق إن تحدي الله، بأن يأتوا بسورة أو آيةٍ بمثله أي – كما قلنا في مقالتنا السابقة والتي كانت بعنوان( التحدي القرآني ومعنى الأتيان بمثله) – هو الإتيان من عنده (هو) وهو لن يعطي، فمن أين سيأتوا بمثله؛ كدلالة منه على وحدانيته في عدم وجود إله آخر غيره!

ثانياً:

لاتحدٍ يخص الإعجاز اللغوي العربي وإنما يمكن قبول التحدي بمعنى في مضمون منهاجه وشرائعه وهداه للناس، فهذا بيت القصيد في التحدي ولا أعتقد غير ذلك، إذ لايستطيع أحد الإتيان بمثله ولو بآيةٍ، فميزان العدل يكمن عند الخالق فقط، وأنى للمخلوق عدل الخالق وحكمته، وهو الذي جعل حق كل قومٍ شِرعةٍ ومنهاجاً، تتناسب وأحوالهم وأوضاعهم الإجتماعية والعرفية.

أحدث المقالات