23 ديسمبر، 2024 12:03 م

بين بعث العراق وعبثه..!

بين بعث العراق وعبثه..!

لم ينغّص سعادتنا وشعورنا تجاه سقوط نظام البعث في العراق سنة 2003, حتى وجود الإحتلال نفسه, وكان يحدونا أمل كبير بواقع أفضل, جديد, تفرضه “ديمقراطية” و بحور نفط تغفو عليها أكداس الجياع, وحضارة طالما عُرفت بالإبتكار.نظام صدام حسين إستطاع إدارة التوحّش بجدارة فائقة, ومارست سلطته “إرهاب الدولة” وإذلال المواطن, لإسباب طائفية وقومية وسياسية ومناطقية وعائلية, فضلاً عن كونه إعتلى سدة حكم العراق على جماجم كبار قادة البعث؛ فأختزل الحزب بفرد, والعراق يدور حول ذلك الفرد: “فإن قال صدام قال العراق”!
نشأ عن ذلك النظام إختلال في تركيبة المجتمع العراقي, إذ حملت لحظة إنهيار دولة البعث غرائب وتفاعلات العقل الجمعي الذي بدا متناقضاً في أول وهلة, غير أنّه سرعان ما عاد ليثبت وحدته في إتجاهين مختلفين تماماً؛ يحدوهما التطرف في الممارسة لتحقيق الرغبات والمتطلبات, والتي في الغالب لا تقوم على الواقع, بل على عقد ومشاكل طائفية وقومية. العامل الأبرز الذي ساعد على الغلو, وإنعكاس ذلك المراس السياسي البائس على الحياة الإجتماعية, هو غياب أي مشروع سياسي لقوى حكمت بتفرّد بعد زوال نظام البعث, إذ وجدت نفسها مخيّرة بين السلطة والإعتراف, ففضّلت الأولى.
أنّ مشروع بعض تلك الأحزاب, هو السلطة ذاتها, ويمثّل طموحاً مقدساً حتمي الحدوث. وهذه الفكرة المنبثقة من العقلية الجامدة المتوقفة على عصر الآيدلوجيات, إستسهلت الحكم, بأعتباره “حق شرعي”, وبالتالي فهي لا تقيّم طريقتها وفق الإنجاز بقدر ما تعتبر وصولها إلى الحكم غاية قائمة بحد ذاتها!..
ولعل تلك الغاية, تشير إلى بعض أسباب الإنهيارات,  تراكم العبث في بنية الدولة شوّه كثير من معالمها, وما زالت تلك القوى تعبث وتستخدم الفوضى الإعلامية في إدامة النزاع الطائفي والعرقي المستحكم في العراق.
     أنّ الحرب الدائرة في البلد لا يمكن إرجاعها إلى صنف واحد من الإسباب, ومع أنّ طرفيها لا يقارنان, فالعراق دولة, وتنظيم “داعش”, إرهاب عالمي. لكنّ توفّر الحاضنة والممر هو العمود الفقري هو الأرضية التي حقق “الخليفة الغدادي” عليها نجاحاته. فالواقع يشير إلى وجوب حلول مرتكزة على شجاعة قادرة على إحداث خرق تاريخي في لحظة الإنتقال العراقي من دولة الإستبداد البوليسية ونتاجاتها, إلى دولة الديمقراطية الصاعدة, وهذا لن يتحقق, قطعاً, إلا عبر منظومة سياسية فاعلة متحركة يعبّد لها الطريق لترسيخ وتأصيل الحوار الوطني والتفاهم السياسي-الإجتماعي؛ بغية تحوّله إلى ظاهرة إيجابية. وبدون الحوار, فالبيئة التي إستغلها البغدادي وجنده, ستكون مهيئة أسرع من السابق لإحتضان الأسوأ والأكثر دموية. إحتضان تلك البيئة, وإعادتها إلى الجو الوطني, لا يمكن إنتظار تحققه ذاتياً؛ إنما ينبغي السعي لذلك, وهذا ما يحتاج إلى مؤازرة جماهيرية واسعة تقوم على فهم دقيق للواقع.
إصرار قادة الجيوش الإلكترونية على إستثمار سعي أي طرف سياسي لجلب المختلفين إلى الحوار؛ يعيق العملية بشكل كبير, ويفرّط بالمكتسبات العسكرية التي دفعت من أجلها ثمناً باهظاً. ويبدو أنّ تلك الجيوش المموّلة بسخاء, تراهن على سهولة التأثير بعقلية المتلقي العراقي وخلق حالة سخط وتذمّر قائم على الشائعات والفبركات. وبمعنى أدق: ما زال غياب مشروع بناء دولة يمثّل ركيزةً أساسيةً في القرار والممارسة السياسية لقوى الغاية المقدّسة, وهذا ما يجعل حملات العبث بالدولة العراقية, أرضاً وشعباً, تتزايد, ونتائج العبث جربها الشعب العراقي طيلة الحقبة الماضية, فمتى يُرفض العابثون؟!