أخذت مشاركة رئيس جمهورية مصر د. محمد مرسي في قمة عدم الانحياز المنعقدة في طهران حجماً إعلامياً أكبر مما تحتمله على أرض الواقع، وتخوّف الخليجيون من تقارب مصري ـ إيراني قد يعيد رسم خارطة التوازنات في المنطقة، واستبشر غرماؤهم في المحور الايراني ـ السوري بهذه المبادرة، وانتعشت الآمال برؤية مصر الإخوانية تعود الى قائمة أعداء إسرائيل، وارتفع سقف التوقعات بإلغاء ـ أو تعديل ـ إتفاقية كامب ديفيد. سمعت آراء كثيرة لمواطنين من الشارع المصري تمنوا خروج مصر من عزلتها، وعودتها الى قيادة العالم العربي بالتزامن مع نهوض اقتصادي يشفي الحكومات المتعاقبة من الإدمان على الاقتراض.
كانت مشاركة د. مرسي رسمية أكثر منها فاعلة، جدّد في القمة موقف مصر من الأزمة السورية، تحدث بشجاعة عن ضرورة رحيل بشار الاسد، لذلك انثالت عليه الاتهامات بوصفه موقفاً تضامنياً مع اخوان سورية أولاً.
درجة احتمال المنطقة وصلت الى أدنى مقاييسها، تركيا، ايران، السعودية، السلفيون، التنظيمات المسلحة، حزب الله، اسرائيل، كلها عوامل مساعد لنشوب حرب آيديولوجية بامتياز على أنقاض سورية، وأي اتفاق بين مركزين ثقيلين مثل مصر وايران سيغير الموازين، ويأخذ القصة الى طريق آخر ربما لم يحسب له أرباب القرار حساباً. لكن علينا أن نفهم أن الزيارات والاتفاقيات الضمنية ـ تجارية او دبلوماسية ـ لا تعني بالضرورة إلتزاماً قانونياً يغيّر عقيدة الدولة. مصر الضائعة بين تاريخها وجغرافيتها امامها وقت مستطيل لتحدد أفق تحالفاتها، ووجود د. مرسي في طهران لا يعني بالضرورة عودة الغرام القديم بين السادات وبهلوي، زيارة مرسي بروتوكولية لا ترقى الى زيارته الاخيرة للصين، او الاولى للسعودية، ففي بكين والرياض ما تحتجه مصر المرهقة من دعم استثماري وسياسي.
في قمة المؤتمر الاسلامي قبل ايام في مكة المكرمة جلس العاهل السعودي مع الرئيس الايراني جنباً الى جنب يتحدثون ويضحكون كالرفاق القدامى، مع أن الصراع بينهما يتجاوز جزيرة البحرين ومضيق هرمز.
أرى شخصياً ان زيارة د. مرسي لم تفك عزلة ايران، ولم تقوّ او تضعف موقفها الراسخ في المنطقة، لقد جاءت الزيارة توثيقاً لمصر جديدة، ستجد نفسها وسط حقل من الألغام يبدأ من طهران وينتهي بتل أبيب، انها واحدة من اصعب مراحل التاريخ المصري.
[email protected]