في مثل هذا اليوم الخامس عشر من حزيران عام 1869 وُلدت صحيفة ( الزوراء ) العراقية ، وفي تقادم الزمن اصبح منتصف الشهر السادس لكل عام ، عيدٌ للصحافة العراقية ، تُحييه نقابة الصحفيين وتستذكر فيه الصحف والمجلات والنشرات الدورية الصادرة عبر تأريخها المتعاقب ، ولاتغفل الإحتفائيات استحضار اعمدة الفكر والرأي ورجال الإعلام الجاد الرصين الذين اغنوا الساحة الفكرية والأدبية بما جادت به اقلامهم إغناءً وإثراءً وتعميماً لثقافةٍ بناءةٍ خَلّْاقة ، أنشَأتْ أجيالٌ محافظون على العادات والتقاليد والقيّم العربية الأصيلة ، تَفرعَ منها الجيلُ الذي نراهُ اليوم يذبُ عن وطنهِ وامتهِ ، مُكافحاً مُنافحاً وسط الكم الهائل من ادوات الإحتلال وإعلامه المُضاد وابواقه التي نُفِقَ عليها ملايين الدولارات لكسرِ الإرادة الوطنية وتعميم الروح الإنهزامية وهدم القيّم والثوابت العربية الأصيلة ، وها هو الدهرٌ يمضي ويجرُ وراءهُ أشتات الماضي ، وتترنح فيه الأحداث مُتقلبة مع اسفار التاريخ دون ان يستطيع احد إيقاف دورة الزمن ، ويبقى الرجال العِظام هُم وحدهم الذين لا تهزهم دواليبه العاتية ولا تستكِنْ عليهم عجلاتها الجبارة ، فهُم باقون على هاتيكِ صفات تليقُ بالفرسان وأصحاب المكارِم والأخلاق الحميدة .
في مقالةٍ نشرتها لي القدس العربي بعددها 3934 الصادر 9/1/2002 ، تحت عنوان (( هل البديل خيرٌ من الأصيل ؟ )) ، أوضحتُ فيها : ان البديلَ المعارض للنظام الوطني حينها ، والذي يُروّج له الإعلام الناطق بالعربية والمرتبط بدوائر المخابرات الأجنية ، ليس سوى شرذمةٌ جمعت من حولها شراذم من الأدعياء والأفاقين جُلهم من شُذاذِ الآفاق ، وان الديمقراطية المزمعُ تصديرها الينا هي كذبة كبيرة ستُحوّل العراق الى بُركةٍ من الدماء .
ومن الطبيعي أن يلقَ مثل هكذا طرح سيلٌ من الشتائم وعبارات التهكم والإتهام بالمحسوبية على السُلطة الشرعية ، لاسيما وان وسائل الإعلام كانت ومازالَ مُعظمها مُسيطرٌ عليها من قبل دوائر ومؤسسات مغرِضة تسعى الى حجبِ الحقائقِ وطمرِها .
إذ ليس من المنطِق وبعد اربعة عشر سنة من الإحتلال الغاشم وحكوماته المُتعاقبة التي جعلت المواطن العراقي يسبحُ في بحر من الدماء ، وسَط هول لدمارٍ غير مسبوق يفوقُ في بعض المحافظات دمار برلين ابان الحرب العالمية الثانية ، لنسمع رموز سلطة الخضراء وأدواتها يَصُرون على كذبة الديمقراطية والحرية في جميع خطاباتهم وتصريحاتهم وحواراتهم الفجة على وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب ، شيئاً فشيئاً اصبحت هذه المفردة فارغة من معناها ومُحتواها ، بل باتت إضحوكة المواطن الكادح البسيط الذي لايهمه إن كان نظام الحكم ديمقراطياً ام مركزياً قدر همه ان يحظى بكرامة على أرضه ويحصل على الأمن والأمان وتوفير لقمة العيش لأفراد أُسرته التي أضحت تودعهُ يومياً وداع المُفارق المُترقب لبصيصِ أمل في العودة سالماً اليها .
ربما يعجب البعض او لايهضُم مسألة السيطرة على وسائل الإعلام العراقية والعربية وإمتدادها الى يومنا هذا ! .
للأسف ايها السادة ، مازال التيار المُعادي للنظام الوطني الشرعي قبل 2003 بشخوصِ عناصرهِ التي عارضت بلؤمٍ وجحود ووقفت حائلاً امام طموحات الجماهير العراقية والعربية لبناء دولة قوية ذات سيادة حُرة ومُستقلة ، يعيش ابناؤها بعزة وكرامة ، هم ذاتهم يُسيطرون على مُعظم المحطات التلفزيونية والإذاعات والصُحف الورقية وحتى المواقع الألكترونية .
لا ننكر ان القوى الوطنية العراقية تملكُ عددٌ نزيرٌ منها ، إلا ان الواقع يفرضُ علينا صراحة القول دون خجل : الوسائل التي بحوزةِ الأخيرة متواضعة جداً لا ترتقِ الى منافسة اعلام الإحتلال وسُلطته وأدواته . على الرغمِ من عدالة القضية وسعيّ المخلصون فيها الى إيصال الكلمة الحُرة الشريفة وتوعية جماهير الأمة وتبصيرها لِما يُحاك ضدها من مؤامرات ودسائس ومخططات لاتقف عند حدٍ من الحدود كونها تستهدف مقومات وجودها ارضاً وشعباً وتُراثاً .
ولابُد من الإشارة الى ان نتاجات ونصوص الكُتاب الوطنيين تتعرض دائماً لِحصارٍ وتحجيم ، إذ تجد الكثير من الصحف والمواقع المؤيدة لسلطة الإحتلال تخشى نشرها على الرغمِ من تمتعها بقوة البناء والتراكيب والصياغة وإرتقاء الكثير منها لمستوى القُطع النثرية الأدبية وصلاحها لتصبح مادة للبحثِ والدراسة والتشريح ، ناهيكم عن ان مضامينها ومحتوى الأفكار فيها مُستمد من الواقع المُعاش وتشخيصها للأمراض الإجتماعية ووصف العلاج لها ، وابتعادها عن المُبالغة والتهويل .
لاشك ان أدب وإعلام المقاومة مُوجِعٌ لِمَن إعتاد العيش في القيعان ، لذلك قَلّما تجد من يؤمن اليوم بصحافةٍ موضوعيّةٍ لايشوبها الإنتقاء والمزاج خدمةً لأغراض ومآرب شخصية نفعيّة صِرفة .
ان الحرصَ على النشر في المنابر المُناقضة الأخرى ، يُعزى الى ضرورة إطلاع جمهور القُراء من ذويّ القراءة أ ُحادية الجانب ، خصوصاً وإن احد أسوأ إفرازات الإحتلال وَلّدَت إصطفافات وانشقاقات حتى في الوسط الثقافي والأدبي ، الأمر الذي جعل القومي لايقرأ للقطري وربما اليساري او الماركسي لايُتابع ما يُحرر في المنابر ذات التوّجُه الديني .. وهكذا دواليك ، وصولاً لمؤيدي العملية السياسية من المُغرر بهم والمُسيطر على أفكارهم ، فهؤلاء لاأظنهم يقرأون لمن يُناقضهم فكراً وعقيدةً ، تأسيساً عليه يأتي هنا الحرص على تلاقُح الرؤى ووجهات النظر التي أجدها ضرورة يقتضي التنبيه اليها .
وبالعودةِ الى الديمقراطية البائرة الفاسدة ، وبعد سقوط الأقنعة عن الوجوه القبيحة التي جعلت منها شعار براق سُرعان ماتهاوى الى الحضيض وسط عملية سياسية مُحاصصيّة شَقت الصفوف وخلقت وهيأت اجواء الفُرقة والتناحُر بين ابناء مجتمعنا الواحد .
بالتالي يصبحُ من المُقرفِ والمُقززِ للنفوس ان تُشاهد وتسمع اولئك السياسيون ومعهم المُطبِلون ، يَصرّون عبر الفضائيات وفيما يكتبون على ان هنالك ديمقراطية وحرية في الرأي والتفكير وسط تجاهُل مشاهد الدمِ والدمار ، وهِجرة وتهجير الملايين ونزوح اضعافهم خارج مناطق سُكناهُم داخل البلاد ليعيشوا في مُخيّمات ومُجمّعات تُمتهنُ فيها كرامتهم عن عمدٍ .
ولا إجحاف في القول : ان السقوط الأخلاقي والإنحطاط الفكري اصبح سمة فارقة من سِمات دُعاة الديمقراطية المُخادعة ومؤيديهم .
اخيراً وفي هذا اليوم لايسعني إلا ان اتوجه بتحية حُب وتقدير لجميع الأقلام الوطنية المناضلة الشريفة التي جَنّدت نفسها خدمة للعراق والأمة ، وبارك الله فيهم جميعاً وأسبغَ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة ووفقنا وإياهم فيما نأمل تحقيقه إعلاءً للحق ونُصرتهِ على الباطل .