حرية الحكم في الاسلام ايمان صادق ، وليست غاية الامر فيها انها مصلحة ونظام مستعاركما يعتقد الاسلاميون اليوم…فعليهم ان يعيدوا قرائاتهم .
اساليب كثيرة تصور الحقيقة الدينية وكيفية استخدامها من اجل تطبيق الحرية الانسانية في الحكم مستمدة من العقيدة ، دون تضيق على الناس كما في حرية العبادات .فالحرية في الاسلام لا تشترط الاعتقاد الديني وانما تشترط الالتزام بالعدالة في التصرف تجاه الاخرين بمقياس موزون خالي من الاعتداء عليهم..بعيدا عن التزييف ..لذا فالاعتداء محرم بنص..ولهذا حول المتمردون على النص تطبيقات العقيدة الاساس الى هالة العمامة والجبة واللحية والسبحة ورأي الفقيه الذي لا يُعارض من قبل العامة من الناس..فأنهوا لب العقيدة وما تهدف اليه..بعد ان صنعوا لهم جملة من الجهلة الذين يعتقدون بهم..فتحولت العقيدة الدينية الى تقليد..
الانسان يختلف من واحد الى أخر في النظر والتقييم في الحس والوجدان، ومع هذا الاختلاف فلا بد للانسان ان يكون خليقاً في العلم والعمل ملتزماً بهما ، فبالعلم تُثبت الحقيقة حتى لو تضاربت مع راي علمي أو ديني اخر، وبالنظرة الدينية وان اختلفت تبقى الحقيقة تابعة للاثبات بالتحقيق…لذا فالعقيدة الاسلامية لا تتعارض مع العقائد الاخرى لقوة في الحجة والبرهان..فالتعارض زمني ..لتبدل صيرورة الزمن.
بهذه النظرة العلمية يتلاقى رجل العلم ورجل الدين من كل الأديان والملل ،وتبقى القناعة بينهما وان اختلفت محصورة بضمير الاثنين وعقلهما دون الحاجة الى التعنت في الرأي من اجل الأثبات .. فالدين ليس اجبارا ً او حكراً على احد بل قناعة منطق لكل الاخرين ” لكم دينكم ولي دين”….وهذا مارفضه فقهاء الاسلام لقصرِ نظرهم في جدلية القول بالنص دون تغيير ..وما دروا ان بالتوجه المشترك الصحيح تتحقق الحرية الدينية والعلمية معا دون ان تتركا اثرا في التباعد والتفريق..باعتبار ان الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلام كل منهما مكمل للأخر ومن مصدر واحد هو الله ..نظرية لم يدركها الفقيه فتباعدت عن فكره بعض من يدعون الدين دون الفكر التجريدي بعد ان دخلت السياسة مناصرة للدين.
فالديمقراطية اليونانية القديمة مثلاً كانت وهماً في التطبيق الحرعلى كل الناس..فهي تختلف في التطبيق بين الحكم السياسي والفقهي والعسكري كل يطبق حسبما يريد وتبقى ضروب الحكم للشعب ليس له فيها من نصيب..فهو نظام عملي قائم على ضرورات الواقع وليس للمبادىء السياسية او الدينية دور في تطبيق الاراء مهما اختلفت او توافقت.. بينما النظرية الاسلامية تتوافق معه في الرأي لكن المصالح الخاصة لفقهاء السلطة قد تغلبت على مصالح العامة فجاء التطبيق فاشلاً وناقصاً..فبقي الاسلام راكدا دون تحريك.
من الشريعة ينبثق القانون ثم يعرض بحرية التصرف في القبول فاذا تم التوافق بين العالِم والفقيه يُحول المقترح الى قانون مُلزم لا يجوز اختراقه الا بقانون.هنا تتحول القوانين الى امانة بيد مطبقيها لا يجوز استغلالها لاي سبب او ظرف كما هي اليوم عند الاوربيين في مسلة القوانين..من هذه الحرية المتناهية في تطبيق الديمقراطية ظهرت الدساتير وهي الضمانة الكبرى في تطبيق القوانين ظمانا لحقوق الناس..فالقانون لا يخدم الامبراطور او الرئيس بل يخدم عامة الناس،هذه الخاصية موجودة في القانون الاسلامي…لكنها سائبة التطبيق .
الشورى في الاسلام تعني الديمقراطية في حكم الناس واختيار الحاكم بحرية مطلقة وليس حيلة من حيل الحكم لحسم فتنةٍ او تطبيق نظرية الطاعة والانتفاع ، وانما هي صفة من صفات الحكم تقوم على اربعة أسس هي:” المسؤلية الفردية ، ومساواة الناس في الحقوق الاساسية ، ومسئولية ولاة الامور في تطبيق القانون على انفسهم والناس ، والتضامن بين الناس لتنفيذ الحقوق” ..نظرية اختُرقت منذ البداية ..حين ظهرت سلطة ولي الأمر التي تولت سلطة الدولة الدينية فهي مسئولة مباشرة عن تطبيق الحقوق للمواطن والحاكم معا..وهذا مفقود في سلطة السياسة المنفتحة التي تحكم باسم الاسلام اليوم..لتفسيرآية ولي الامر تفسيرا فقهياً بعيدا عن الحقوق والقانون.
فأولو الامر جمع لا مفرد له من جنسه..وليس جمع لولي..فجمع ولي آولياء..وهم المقدمون من الجماعة..وهم من الجماعة وليسوا عليها ولاة..هذا المعنى عاب عن الجماعة الاسلامية في البداية فقالوا حين اختلفوا منا أمير ومنكم أمير..غير ان التجربة الدينية كانت في بدايتها..لذا سرعان ما تم تطويق الازمة بعد ان تغلبت روح المؤاخاة التي جاء به الرسول (ص) فأنتهوا الى تطويق الفرقة ،وأمكن ان يجتمعوا على خير..لكن المشكلة ظلت معلقة طيلة فترة الخلافة الراشدة..فكانت سببا من اسباب الضعف العام في الدولة الاسلامية حتى سقوطها عام 656 للهجرة.
ان عقيدة الانسان هي ميزان اخلاقه وعنوان ارائه في الحق والعدل والمعاملة المُثلى والحكومة الصالحة ، ولم نعهد في اية فترة من فتراة الحكم الاسلامي ان طبقت هذه القيم في المجتمعات الاسلامية،والتي قامت على حرية التعبير عن الرأي وحرية الاختيار..فظل ناقوس التنبيه يدق ليصحح ما يحتاج الى تصحيح وتصفية ما يحتاج الى تصفية لازالة ما علق بالأذهان.
من هنا نقول ان الاسلام شيء والمدعين به شيء اخر..هكذا فآلوا الأمر في الاسلام بعد هذه الاختلافات الفقهية ..اصبحوا لا يختلفون عن كهنة الاصنام قبل الاسلام الذين حكموا الناس بالتعاويذ وشفاعة الرشوة وهدايا النذور الباطلة..كما هم فقهاء المذاهب اليوم الذين ابتعدوا عن الثوابت في تآويل النص ..حتى ساقوا الناس الى تفريق خاطىء بمرور الزمن فاصبح حقيقة ساقت الناس نحو الأبتعاد عن الصحيح..فالدين الاسلامي براء من هذا التوجه الخطير.
اما مفهوم السيادة فقد جاءت كسند للحكم في الاسلام وقد شمل السياسة ، والتشريع ، وولاية الامور العامة معاً لكسب الطاعة والعمل بامرها دون تعصب من شيء …لكن الخطأ الذي رافقها هو ربط السيادة بالحاكم .. هذا الربط لا يرتبط بالسلطة الالهية المطلقة التي فوضت سلطة الدين سيادتها لهم بعد الله كما يدعون باطلا ، حتى نسبوا لانفسهم قدسية النص (قدس سره) والقرآن يرفض هذا التوجه في الاية 174 من سورة البقرة ..وانما ينص على انها عقد بين الله والمخلوق يُشرف عليها الحاكم المطاع وفق مقاييس الحق والعدل بين الناس بالتشريع .
وتبقى الحقيقة الدينية مسألة نظر فلسفية تحتاج الى قناعة المنطق لتستقرفي الأذهان ..لذا في غالبيتها تقاوم من الاخرين الذين لا يقتنعون بالحاكم رغم ما لديه من القوة ووسائل القهر..هنا نظرة التأمل..في التحقيق الصحيح للسيادة لأن الدولة تتطور وتتغير فيها مصادر السيادة لذا فالسيادة لا تعتمد على مصدر واحد بعد أن اقرَ الاسلام ان النبي بشر ليس له من الأمر شيىء..حتى قيل :” لا تجعلوا خطأ الرأي سُنة للأمة” ..لا طاعة لأحد في مخالفة الشريعة اي القانون..ولكن أين لنا من يفهم ليُطبق..
أماالحكم الديمقراطي في الاسلام فهو قائم على حرية المحكوم في الاختيار ، واما العرض فهو النصوص الدستورية وقوانين الانتخاب وصناديق الأقتراع..فهي وسيلة الحكم الصحيح..وليس من احد له حق التدخل والتأثير والتزوير بالمطلق بأسم جدلية العقيدة في الدين ..وهذا ما نعاني منه اليوم..حين اخترعوا لنا الكتل النيابية بعد الانتخابات فتجمع الباطل المصلحي لافساد رأي الناخب الصحيح..كما أفتت المحكمة العليا العراقية خطئأ في انتخابات 2014 وجَرت علينا كل هذه الاختلافات في التطبيق .. فالقضاء يعلم ان كل شيء له تخريج الا القضاء في العدل مطلق لا يقبل التغيير..