19 ديسمبر، 2024 12:59 ص

بين العراق ومصر لعبة المرضى

بين العراق ومصر لعبة المرضى

 الاسلام دين الله , ولا يوجد مسلم – يعتز باسلامه – يريد خلاف دين الله . اننا لا نستطيع ان نجعل الاسلام هوية قومية , ولا يمكن ان ندعو كل من عاش تحت شعار الاسلام مسلما , فالدين سلوك لا انتماء نسبي . والاسلام – كباقي الديانات السماوية وحتى الارضية – ابتلي بنوع من المنتمين اليه نسبا الخارجين عليه سببا , ذلك النوع من الناس الذين يعيشون بوجوه متعددة , يتناسب كل وجه فيهم مع مصلحة ونفع معين , وهم لذلك لا وجه لهم ولا يمكن تشخيص هويتهم . كذلك ابتلي هذا الدين بنوع آخر من البشر عقولهم غلف , لكنهم يحسبون انهم يحسنون صنعا , بلغوا من السذاجة حد السماجة , لو ربطانهم الى جنب بهيمة لن نجد اختلافا في العقل , لكننا سنجد عند بعضهم او اكثرهم حبا للدين , دونما فهم ولا وعي . وامثال هؤلاء حق على اصحاب العقول العمل على استنقاذهم من وحل عقولهم .
وعلى وفق القياسات المتداولة اليوم نستطيع تقسيم الجهتين السابقتين الى مصطلحين : جهة اسلام الاعلام , وتيار اسلام العوام .
ووجه تسمية احداهما بالجهة والاخرى بالتيار : ان الاولى نخبوية , لكنها اكثر قدرة على المراوغة , واقرب للتسلط . اما الثانية فانفذ شعبيا , لانها تساير رغبات واهواء المجموع العام من الناس , على اختلاف رغباتهم ودونما ضابطة , لكنها اقل قدرة على المراوغة , وابطأ في التفكير ,  واكثر مجازفة , واحمق تهورا . ومثل هذه الجهات تكون متحركة دائما الى جنب حركة القيادات والجماعات والمؤسسات الحقة الواقعية الممثلة للدين بصورة حقيقية , لكن الاخيرة تكون حركتها الاجتماعية متوقفة على استيعاب المجتمع لها , وبالتالي فتحديد سرعتها ونجاحها والقدرة على تنفيذ مشاريعها يفرضها التقبل الاجتماعي لها .
وجميع هذه الحركات المختلفة لا تظهر الا في المجتمعات الحية , وذات البعد الحضاري والمدني , كالعراق ومصر , حيث تختلط المجتمعات , من ريف وحضر وبدو , من مجموعات ذات موروث , واخرى مبتورة , ومن الصعب وجودها او ظهورها في مجتمعات ميتة , كالمجتمع الخليجي مثلا . لذلك , لا اجد نفسي متفاجأ بالعلاقات المصرية العراقية , بل لا استبعد تطور العلاقة مستقبلا , فالبلدان متشابهان الى حد كبير في ظروفهما وبيئتهما , وكلاهما يقودان طرفي العالم الاسلامي .
لكن طريف ان اللعبة في البلدين تكررت , فجماعات من ذوي اللحى الفوضوية , والتي تعيش في الماضي وتقف عليه , وترفض الخضوع لمعادلات الحاضر – نظريا لانها في الواقع تعمل بلا معادلات – , تثير الفوضى في البلاد , وتخلق الاضطراب للعباد , لها في كل صباح عدو جديد وصديق جديد , وربما كان العدو الصديق السابق وبالعكس . تعبد النص , لا تتعبد به , تختلف فيه وعليه , لتتمزق وتفرخ جماعات وتيارات جديدة اغرب منها . متشابهة في البلدين حد التطابق , لكنها في مصر سنية , وفي العراق شيعية .
وفي المقابل هناك الجهة النفعية النخبوية , التي تشعر انها بنت السماء , وترى الناس سكارى وما هم بسكارى , تراوغ وتبيع وتشتري , دون ان يهتم لخداعها احد , لانها تعطي الناس ما يريدون , لا في الواقع بل على الشاشات والمنابر الاعلامية , اما على الارض فهي تأخذ ما تريد .
يعيش جميع هؤلاء تحت غطاء رجال دين كبار – مستقلين داخل اللعبة – اشباه لابي موسى الاشعري و شبث بن ربعي وكعب الاحبار , وكل وعاظ السلاطين . الجميع تربطه بالآخرين المرونة , وامتطاء النصوص , وعبادة الاوثان النفسية . كل هؤلاء يراهنون على سذاجة الناس , وسلاح الجميع لعبة التجهيل . فجهة تستغل الحماسة البدوية لعامة الناس , والتي تكون عادة منفلتة وغير منتجة عند غياب العقل , لتحقق مآربها الزعامتية البسيطة , التي تهدأ عندما تحس انها وحدها تمثل جيل الصحابة والتابعين , او انها تمثل خالصة انصار العلماء . لتأتي الجهة النخبوية , التي فتحت خطوطها التعاملية مع الغريب والقريب وتقتطف ثمار جهل وحماسة التيار السابق ! .
هذه الجهات قد تتقاتل ليلا ، لكنها تتحالف صباحا ، ثم تتصارع ليلة أخرى ، بسبب اللامبدأ ، وبسبب الجهل المركب الخديعة وحب التسلط ووفرة العبيد من غثاء الناس .
فيما تكون حصة رجال الدين الكبار والمؤسسات العريقة علميا ان تحظى باعتراف من الجميع ان الملك الديني منها , وتخضع له المؤسسات التي ترمز للاسلام الصنمي , الذي تم انشائه بعد دخول الاستعمار .
والرابح الاكبر دائما هو من يدير اللعبة من خارجها , وهو ذاته من يحمي الجميع , وهو كذلك من يهيأ الادوات , والاهم انه من يغيّب العقول .
في العراق ومصر هناك من يصل للسلطة , لكنه ليس داخل الجماهير , وهناك من هو وسط الجماهير , لكنه خارج الدين , وهناك من لا خلاق له .
سنجد في البلدين رجالا مؤهلين لقيادة الناس , لكننا سنواجه صعوبة كبيرة في ايجاد الناس الذين يعون ماهية القيادة الواعية . هناك دائما شباب متحمس و حلقات وسطية لشباب يظنون انهم اوصياء الانبياء وامناء الرسل , فيما هم لا يفقهون حديثا , يقعون في المحذور , وهم يدعون الناس لتجنبه , ويشاركون في امر , كانوا يقاتلون سابقا ضده , بداعي خروجه عن شرع الله ! , فيما هم انفسهم لا يعرفون حدود شرع الله . وامثال هؤلاء يتبعهم الكثير من شبيبة العوام , لانهم يوفرون جو الحماسة ويرفعون صوت نعيقهم , ولديهم شجاعة الاستعراض , وفن عرض العضلات .
وهناك ايضا العصابة التي اضرت البشرية منذ الازل , النفعيون الانتهازيون البراغماتيون , الذين يتحدثون بلغة يتصورها العوام انها لغة العلم والنخبة , والطبقات المتعلمة المتنورة , فيما تدري المنظمات الدولية الماصة للدماء انها اللغة ذات الوجوه المتعددة والتعابير المترددة , انها لغة الكذب , فتباركهم تلك المنظمات كهنة في السلطة . لانهم يمتلكون ادوات السلطة والخضوع في نفس الوقت , الكذب والقتل والهروب واتهام الاخرين وتسقيطهم . لهذا نجدهم بين ليلة وضحاها من سجناء الى سجانين , ومن عبيد الى قادة , لكنهم عبيد في ذات الوقت ؟ .
في مصر والعراق يتعب المصلحون , لكنهم يقطفون ثمار تعبهم لاحقا , لان البلدان الاخرى ميتة , وتكون الجهود الاصلاحية فيها اضيع . تحدثت سابقا ان بين العراق ومصر تشابه حركي , ولولا التحرك العالمي الطائفي والعدواني , الممهد للمرحلة القادمة من اللعبة الدولية , لرأينا تقارب المنحرفين في البلدين من بعضهما , وكذلك تقارب المصلحين . اننا اليوم نشهد تقارب من في قلبه مرض فقط بصورة اوضح، لظروف موضوعية.
[email protected]