اما العالم الجليل ، فقد بلغ من العمر عتيا ، لكنه ومنذ امتهانه الوظيفة العامة ، حينما كان شابا يافعا و يحمل شهادة علمية عليا في الاقتصاد من ارقى وارفع جامعات الدنيا ، خدم وطنه بكل اخلاص و مثابرة وامانة . ودائما ما كان عنوان شخصيته يختزل بالصفات التالية ، وفي يومنا هذا هي ذات دلالة كبيرة لانها فقدت وان حضرت فهي من النوادر، دماثة خلق وعفة نفس ونظافة يد .
اما السياسي ، فهو حاكم بيده السلطة ، لا يعرف الكثيرون عنه شيئا الا ما ندر ، فمنذ امتهانه العمل السياسي ، مثلا ، لم يعرف عنه انه قدم عملا كبيرا غير به موازين معادلة الصراع السياسي من قبل المعارضة ضد النظام السابق .
العالم ، ومذ بواكير عمله ، ثابر واجتهد ،فاصاب ثم اصاب ، حتى اصبح عنوانا كبيرا واسما لامعا وعالما ، ان غاب افتقد وان حضر فهو ملء السمع والبصر، فهذا شأن العلماء لا يمكن لاحد تجاهلهم .
السياسي ، اصبح حاكما بالصدفة ، نتيجة الخلافات السياسية, وما ان تسلم السلطة، بفتوى الديمقراطية، حتى اطلق عبارته التاريخية الشهيرة, فكانت اكبر انجاز له ، لمن لا انجاز له.
العالم، قدم عصارة افكاره وشهد علمه وعافيته ، من اجل ان يرى عراقا مزدهرا خاليا من الفقر والجوع والحرمان ، عراقا ينمو اقتصاديا ، معافى من كل الامراض ، لا سيما الجهل والتخلف العلمي والحضاري والانساني . ترك بصماته في كل الاماكن التي عمل فيها ، فتراها تقول : ها انا بصمة العالم الجليل ومن حقي ان افتخر .
السياسي، لم يقدم شيئا لشعبه سوى الوعيد والوعود, فلا كهرباء ولا امن ولا رفاهية ولا خدمات ، ولا هم يحزنون ، فبصمته تهرب منه .
العالم ، وعندما اشتعل الرأس شيبا وبدا في الافاق ان الكثير من العمر قد زال وان الباقيات صرنا بالامكان عدهن ، تلمس شعر رأسه الابيض وتذكر كم هي سريعة السنون . ولكنه فرح انها ذهبت خدمة للعراق واهله . تصور ان هناك من بيده الامر والشأن ان يقدر ويحترم ويكافئ , وان تكلل نهاية الخدمة باكليل من الغار يغطي هذا الشيب ورحلة السنون المشرفة . ويا ويلتها عليك ياعراق ، حينما تهان هذه الشيبة الطيبة عندما يهان العلماء ، وهم ثروة البلد القومية ورموزها الحقيقيين، حينما ينكل برجل العلم ايما تنكيل ، فلتقم الساعة اذن ، حينما يحرم من اي مدخول مالي له ولاسرته فيقطع عنه وعن اسرته اي راتب او راتب تقاعدي ، لا بل وحتى المستحقات والفروقات التي لديه وبذمة مؤسسته، وهي استحقاق وليس منة ، من احد تعطى له كانها صدقة.. يا ويلتها ماذا سنقول للتاريخ حينما يذل علية القوم وتجوع اسرهم .. وهم من العمر الذي ما عاد لديه القدرة على ان يوفر لقمة العيش . اه عليك يا عراق ، الى اين وصلت واين ستصل ؟ اذا كان العالم الجليل يعامل بهكذا طريقة رعناء ، يمنع عنه وعن اسرته راتبه ، وهو استحقاق قد استقطع أصلا من رواتبه السابقة عبر عشرات السنين من الخدمة . وقبلها تم القائه في مركز الشرطة ، ليمكث فيه أيام وليالي مع اللصوص والمجرمين والقتلة.
السياسي، ينعم برغد العيش هو وأسرته وحاشيته بما لذ وطاب ، ويكرم الشعب بكيلو عدس ، و البلد يحترق ، والفقر يسحق الناس ، والمفخخات تحصد ارواح الابرياء ، والمليشيات تصول وتجول وتتحدث بكل صفاقة امام التلفاز .
الكارثة اين ؟ ان العالم بعلمه وإخلاصه وعطائه ارفع شأنا ومكانة ، من الحاكم بفشله في تقديم الامن والخدمات والرفاهية لشعبه ،وان جاع الاول ، وشبع ، حد التخمة ، الثاني .