23 ديسمبر، 2024 11:08 ص

بين الصحة والمواطن عتاب بعتاب

بين الصحة والمواطن عتاب بعتاب

تقام هذه الأيام بطولة أمريكا المفتوحة للتنس ( US OPEN ) وهي إحدى بطولات الجراند سلام وتجري منافساتها في مدينة نيو يورك الأمريكية ( فلو شينغ ) ، وما يثير الحسرة ليس لان بلدنا لا يستضيف إحدى البطولات الأربعة الكبرى التي تقام سنويا ولكن ما تشهده هذه البطولة من حضور جماهيري حاشد يبلغ عشرات الآلاف يوميا ، فملعب آرثر راش الرئيسي لوحده يمتلأ ب 25 ألف متفرج في كل مباراة ، والملاعب الأخرى كلها مشغولة خلال مدة البطولة التي تستمر لأسبوعين .
والغرض من هذه المقدمة ( الرياضية ) ليس الدعاية لأمريكا قط ، وإنما الإجابة عن سؤال مهم وهو كيف سمحت الولايات المتحدة الأمريكية التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 330 مليون نسمة وتعرض 35 مليون من سكانها للإصابة ب Covid – 19 وتوفى منهم أكثر من 600 ألف وهي من بين المتهمين بنشأة الجائحة بالتجمع والتجمهر والملامسة في هكذا فعاليات ، والجواب إنها تمكنت من بلوغ مناعة القطيع عند وصول عدد الذين تلقوا جرعات التطعيم 70% ، فمن شروط دخول الملاعب هو إبراز بطاقة التلقيح بالجرعة المطلوبة ، وليست الولايات المتحدة هي الوحيدة التي بلغت هذه المرحلة فهناك دول أخرى استطاعت العودة التدريجية لحياتها الطبيعية بفضل التلقيح ، وقياسا بتلك الدول فان ما وصلت إليه النسبة في العراق تعد متواضعة جدا فقد بلغ عدد الملقحين 75690 بتاريخ 5 أيلول الحالي ومجموعهم 3,685 مليون بنسبة لم تتجاوز حتى اليوم 10% من عدد السكان ، مما يعني إننا نحتاج لدهر لبلوغ مناعة القطيع إن توفرت اللقاحات سيما بعد شمول الاعمار الصغيرة بالتطعيم من قبل WHO ، ووزارة الصحة تلقي باللوم على المواطن في عزوفه عن التلقيح وإهمال نصائح خلية الأزمة بهذا الخصوص ، والعزوف غير مقبول بالفعل في ظل عدم إمكانية فرض الحظر الشامل للتجوال بسبب الظروف الاقتصادية والإنسانية التي يمر بها الكثير وفي ظل القصور في الإمكانيات العلاجية للوباء ، لذا تعالت الدعوات والمناشدات لولوج التلقيح واصدر مجلس الوزراء قرارات فيها نوع من الإلزام بهدف الوصول إلى مناعة القطيع ، ولم تنقطع تصريحات وزارة الصحة في الإعلان عن توفر اللقاحات ، فبعد قيام البعض بالترويج بان ما يستخدم هو من التبرعات الامارتية والصينية أكدت الصحة إنها تعاقدت لتوريد 15 مليون جرعة كما تم تامين التخصيصات المالية للتعاقد على أعداد أخرى بما يغطي حاجة السكان لجرعتي التلقيح ، كما شكت جهات صحية في بعض وسائل الإعلام بان المراكز المخصصة للتلقيح لا تشهد إقبالا على التلقيح إلى درجة إن بعضها لا يراجعها أكثر من 10 في اليوم ، ورغم إن البعض شكك بتصريحات الصحة بهذا الخصوص إلا إن بياناتها أكدت قدرتها على تغطية تلقيح كل الراغبين وبدون انتظار وبإجراءات ميسرة وبإشراف أطباء أكفاء ومن المهن الصحية والمساندة .
ومن الناحية العملية فان التصريحات شيء والواقع الفعلي بعكس الاتجاه ، فهناك العديد من المراكز الصحية ( في بغداد ) تشهد إقبالا شديدا منذ بداية الدوام الرسمي فقد يبلغ عدد المراجعين للتلقيح أكثر من 500 مواطن ولكن ما يشهدوه هو الازدحام والتدافع مما يضطر رجال حماية المنشات بتنظيم صفوف الانتظار التي تطول لعدة أمتار خارج المراكز وتحت أشعة الشمس ورغم الانتظار يتم الإعلان أحيانا بان عدد اللقاحات قد نفذ بعد تلقيح عدد من المواطنين ، والبعض من الذين يتم تلقيحهم يشكون من عدم الاستفسار عن حالاتهم وأوضاعهم الصحية وتفقدهم بعد التلقيح رغم أن الموضوع يتطلب الفحص الابتدائي وان كان بالسؤال والطلب ممن أنهى التلقيح بالانتظار لبعض الوقت للتعرف إن كانت هناك مضاعفات ، أما المعاناة الأخرى فهي تتعلق بعدم توفر الجرعة الثانية رغم إن من تلقى الجرعة الأولى له موعد محدد للجرعة الثانية وقد تكون له التزامات بالسفر مثلا ، وبعض المراكز الصحية تصارح المواطنين بعدم توفر الجرعة الثانية لان الأسبقية للجرعة الأولى ، أما وزارة الصحة فقد أصدرت بيانا قالت فيه بأنه استجابة لنصائح منظمة الصحة العالمية فان مواعيد الجرعة الثانية قد تغير من 4 أسابيع إلى 8 أسابيع ( 56 يوم ) وهو كلام لا يقنع المواطن لعدم توفر الجرعة الثانية بالأساس حيث كان من المفترض إن يتلقى الملقحون بالجرعة الأولى قبل 1 أيلول الجرعة الثانية بحيث تطبق المدة الجديدة للملقحين من 1 أيلول 2021 ، ومن باب التنظيم ( لا غير ) فقد نقلت بعض المراكز الصحية التلقيح بالجرعة الثانية إلى ( المولات ) ، ورغم انه أمر غريب ولكن المواطن تقبله من باب الاضطرار ثم توقف بسبب الازدحام و ( العركات ) ، وتمت العودة للمراكز الصحية التي لا تزال تعلن عدم توفر الجرعة الثانية من اللقاح .
ومن باب الضرورات نرى أهمية قيام وزارة الصحة بالإجابة عن تساؤلات مشروعة للمواطنين ، وفي مقدمتها مدى مصداقيتها في توفير اللقاحات بالعدد المطلوب ، وأسباب عدم توفير مواقع صحية ملائمة للتلقيح تتناسب مع حجم الإقبال حتى وان تمت الاستعانة بإمكانيات الوزارات الأخرى لان المولات هي للتسوق وليس لتلقي التطعيم ، كما إن من الواجب التأكيد على تنفيذ البروتوكول المتعلق بالتلقيح من حيث تفقد حالة الإنسان ومراقبته بعد التلقيح لتفادي المضاعفات الشديدة وربما إنقاذ الحياة ، كما إن من الضروري اختيار المراكز الملائمة للتلقيح من حيث السعة وتوفر الشروط الصحية والكوادر بما يناسب عدد السكان والتوزيع الجغرافي ، فعبارة ( خلصنا لقاح اليوم ) لا تتناسب مع مكانة ومسؤولية وزارة الصحة بموجب قانون الصحة العامة رقم 89 لسنة 1980 الذي استخدمته الصحة لفرض الغرامات على منتهكي حظر التجوال ، وتجربة وزارة الصحة ليست يتيمة بهذا المجال فلها صولات وجولات في التلقيحات منذ انتشار الكوليرا ( الهيضة ) في منتصف ستينات القرن الماضي واستمر نجاحها في تلقيح الأطفال والأمهات ، ومن المطالب التي بات يطرحها المواطن هو انجاز تلقيح ( كورونا ) بحملة وطنية تحشد فيها إمكانيات الدولة وليس بطريقة سير السلحفاة ، كما أن من باب الاطمئنان نقترح إعلان موقف عدد اللقاحات الموجودة فعلا في المخازن والمؤسسات الصحية مع الموقف الوبائي الذي تعلنه الصحة يوميا لكي يطمأن المواطن إن حصته من اللقاح متوفرة بجرعاتها فعلا وليس سين وسوف وان من واجبه المبادرة للتلقيح ، ويبقى السؤال بالخط العريض وتحته خطوط هل من المعقول آن تبقى وزارة الصحة والبيئة ( وهي وزارتين بالأصل ) من دون وزير بالأصالة منذ استقالة الوزير بعد حادثة ابن الخطيب وحتى اليوم ، فنحن نعيش وضع وبائي غاية في التعقيد حققنا فيه المرتبة الأولى من حيث عدد الإصابات عربيا ومركز متقدم عالميا ، وهي ليست مسألة تتحمل التوافقات والمجاملات والتأجيل لما بعد الانتخابات لان من ضحايا الوباء العشرات من الوفيات يوميا كان من الممكن إنقاذ بعضهم بفاعلية التلقيح والإدارة الصحيحة للازمات .