18 ديسمبر، 2024 9:51 م

بين الشرق والغرب مفهوم الحرية الحديث

بين الشرق والغرب مفهوم الحرية الحديث

لست ابالغ ان قلت ان الحرية تعتبر احد اهم انجازات عصر التنوير
و ليس تجنياً ان قلت ان مفهوم الحرية عندنا يعاني التباساً شديداً اضطرنا هذا الالتباس الى فهم ان الحرية تعني التحرر من القيود و المحددات الاجتماعية ما ادى الى نقوم دوماً بتوجيه سهام النقد و التجريح تجاه هذا المفهوم (الغربي) المهم ،

يقدم اريك فروم (عالم نفس الماني) رؤية نقدية دقيقة لمفهوم الحرية في بعدها السيكولوجي الاجتماعي و ذلك في كتابه (الهروب من الحرية) حيث يتتبع الظاهرة في المجتمع الغربي و ما ادته الى شعور الفرد بالعزلة و القلق ، فالحرية في مخاضاتها الاولى بحسب اريك نتجت حين شعر الفرد بعزلته عن الجماعة بعد حدوث تغيرات في جوهر الاقتصاد الغربي من زراعي و صناعي بسيط الى رأسمالي و صناعي كبير.

ثم يتتبع مخاضات الحرية في عصر الاصلاح الديني حيث بدأ المفهوم يتبلور اكثر

و يناقش كذلك مفهومي السادية و المازوخية و يشبعهما بحثاً و يبين الصلة الوطيدة بين الحرية و شعور الفرد بالحاجة الى سلطة عليا يخضع لها (مازوخية) او فرد او مجتمع يستمتع باخضاعه و ممارسة تسلطه عليه (سادية) .

يصل اريك الى جوهر الحرية برأيه و انه ليس التحرر من السلطة الخارجية او غيرها من السلطات التي تمارس علينا بشكل مباشر او غير مباشر

بل الحرية هي الاستقلال مع انك جزء متمم للجنس البشري و ممارسة النقد (اي عدم التلقي دون وعي) دون ان تكون مملؤاً بالشكوك و ان تكون حراً و لكن ليس وحيداً (اي لا تشعر بالوحدة و الانعزال نتيجة تحررك) و عفوياً يفكر بروح ابتكارية و ابداعية و ليس مضطراً للتماثل مع مجتمعه تحت الضغط الاجتماعي (اي غير منساق خلف ما يفترض المجتمع بك ان تكون).

بينما يقارب الكاتب و المفكر الاصلاحي الايراني محمد مجتهد الشبستري مفهوماً جميلاً للحرية في كتابه (قراءة بشرية للدين) منطلقاً من حاجة الناس الى قناعة عقلانية و اخلاقية و وجدانية في وعي الافراد للقواعد و الضوابط التي تسير النظام الاجتماعي

و ان لا طريق سوى تفعيل وجدان الافراد لاحياء القيم الاخلاقية في المجتمع و ان هذه القناعة القائمة على اساس الوجدان تستلزم النقد و البحث و بالنتيجة تستلزم السير بطريق الاصلاح للوصول الى تلك القيم الاخلاقية و هذا يعني الحاجة الى الحرية لان من دونها لا يستطيع الانسان ان ينقد و يبحث و يتساءل لكي يصل الى القناعة

و يصل الشبستري الى نتيجة ان القيم الاخلاقية تحتاج الى الحرية او (الحرية الخارجية) كما يعبر .

و يمكن القول بناءاً على فكرة الشبستري ان القيم الاخلاقية لا يمكن ان تفرض على مجتمع ما لانها لن تؤتي ثمارها فالحرية شرط اساسي لظهور القيم الاخلاقية و ليس كما يطرح في الافكار السائدة من ان الحرية تعني الابتذال و التحرر من الضوابط و النظم الاجتماعية.

ما ينبغي ان نفهمه ان مفهومات كالحرية و الديمقراطية و غيرها لا يمكن ان تُفهم فهماً طوباوياً كما نحاول دوماً من اجل ان نجد منفذاً لنقدها و التشكيك بها بل ينبغي تتبع المخاضات التي انتجتها و النظر الى معطياتها الحقيقية بتجرد لكي يكون التقييم قريباً من الواقع و مجدياً.