جاهل من يعتقد ان الشرعية هي الدين ..لا ..هي القانون الشرعي للدين..شرعية النص المقدس ،أي معناها عدالة الله القانونية في الانسان والدين “أعدلوا ولو كان ذا قربى”نصٍ جاء في الوصايا العشر في سورة الانعام 151-153 لم نقرئه في الشرائع والديانات الاخرى القديمة منها والحديثة …أي لا شرعية بلا قانون . هذا ما لم يعيه فقهاء التفسير الذين لم يميزوا بين الشرعية والقانون لذا ظل بلا تطبيق ، حين جعلوا المحاكم الشرعية خارج القانون فظلمت المرأة بشرعية اللاقانون مخالفة للنص القرآني الذي يقول: “يا ايها الناس أتقوا الله ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ النساء 1” لأنهم لم يؤمنوا بصيرورة الزمن في التاريخ ..وما دروا ان الشرعية هي الالتزام والتقيد بأحكام القانون،وهي اساس السلطة التي تحكم مجتمع معين وتمارس فيه الحقوق دون تفرقة بين انسان واخر ..فأي شرعية مارستها سلطة المسلمين ..عبر الزمن الطويل ..نريد ان نعرفها ايها الناكرون لها ؟..وكأن لا دين نزل ..ولا نبي ظهر ..ولا قرآن كتب..لذا ظلت في نظرهم من حيث التطبيق أحابيل .
ومشروعية السلطة تأتي من باب الأيمان بها وتطبيقها دون مصلحة شخصية أو انحراف سياسي معين ، ..لتختص بتطبيق الحق القانوني واقراره المُلزم للوطن والشعب دون تمييز، ولا ينطبق عليها حكم “آولوا الأمر منكم” المُفسر خطئا من فقهاء الشرعية لا القانون ، فهوليس جمعاً لولي بل المقدمون من الجماعة ،لذا استغلها الحاكم من اجل مصلحته في التطبيق. .مؤيدا من فقهاء السلطة ومرجعيات الدين المخترعة منهم دون فهم دقيق ..يخطئون كما أخطئوا في تسمية المقدس حين اطلقوه على العام ..بينما المقدس هو النص القرآني لا غير.كالعصمة التي اطلقوها جزافا وهي تعني عصمة النص لا عصمة الانبياء والرسل والأئمة ،يقول الحق : ..”يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ،المائدة 67 ..فالعصمة في الرسالة وليست بشخصية الرسول (ص) نفسه .
فالشرعية لا تعني تفسير النص فقهياً ،بل قانونياً .فأين من يحكمون الاوطان الاسلامية اليوم ، بعد ان حولوا الشرعية الى قوانين باطلة هم يتحكمون بها باسم الدين والمذهب المخترع منهم ومفاهيمه المختلفة في التطبيق ، فهل يعلمون ان شرعية الدين جاءت من اجل القانون..لذا فالمادة الثانية فقرة ” آ ” من الدستور العراقي الجديد مثلاً تقول: “لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام..أي مع الشرعية ” الفقرة هنا تتناقض مع حقوق الشعب الدستورية والقانونية.؟ لان الشعب العراقي شعب مكون من مختلف الاديان والملل ، ناهيك عن ان المادة تتناقض مع حرية الرأي في التطبيق..لذا فكتابة الدستور تحتاج الى اشراك الفقهاء الدستوريين المتخصصين في صياغة النصوص.
فالشرعية هي النظام او المنهج الواضح الذي يُرسم أو يُسن للناس لتطبيق القوانين في حقوقهم. وبهذا المعنى يُفهم قول الشافعي : ( لا سياسة الا ما وافق الشرع(.أي المنهج والنظام الذي أختارته الجماعة وأتفقت عليه وأرتضته لنفسها ميراثاً أو أكتساباً لصالحها وخدمة شؤونها لينتفع منه عامة الناس خضوعا للنص .من هنا يتبين لنا ان السياسة الاسلامية هي ما تقرره الشريعة الحقة المعترفة بمساواة الحقوق للجميع ضمن صيرورة الزمن في التغيير، وليست شرعية المذاهب المخترعة في التطبيق والتي تفرق بين هذاوذا،وهي بمنزلة الجزء من الكل وهذا ما أفتقدناه في دولة الاسلام عبر الزمن الطويل . فكيف تستطيع بنا دولة شرعية قانونية بلا تطبيق..؟
والمذاهب الاسلامية الرئيسية هي: خمسة كما يدعون :الامامية والشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية..بالاضافة الى مذهب الأباضية في عُمان والمعتزلة والأشاعرة والاسماعيلية والبهائية والصوفية وكلهم من المسلمين ولهم أراؤهم المختلفة في التطبيق .. لذا لم يكن هناك اختلاف في ارائهم الا القليل.. ..لكن الاختلاف ظهر بعد ظهور مدرستي الرأي والحديث التي ظهرت معهما طرق المصادر الظنية . فمدرسة اهل البيت اعتمدت على اقوال وأراء اهل البيت لاغيرواحاديثهم التي شابها الاختلاف في اكثرها من فقهاء التفريق كما في عصر البويهيين والسلاجقة وغيرهم كثير ..وهكذا تعددت الاراء بتعدد الاجتهادات التي ادت الى الفرقة والتشتت بعد انتشار الاسلام .. فالخطر الذي رافق هذا التشتت ادى الى الاختلاف والعداء والنزاع والفُرقة نتيجة التنازع على السلطة والمال كما نراها اليوم.
الاسلام ولد بلا مذاهب.. المذاهب ليست ضرورة ، وظاهرة غير صحية في الدين الواحد وبين الشعب الواحد في المعتقد لاختلاف مصادر التشريع كما في الحقوق والصلاة والآذان والصوم والصلاة والكثير من التقاليد..فكيف يستطيع الحاكم تطبيق قانون واحد على المسلمين وغيرالمسلمين في الوطن الواحد المختلفين في الرأي والتشريع..علما ان الدين لايصنع دولة مالم يوائم النص مع صيرورة التاريخ . فالاعتماد على الوصية جاءت بلا سند والحوزة الشيعية ترفض دراسة التاريخ الشيعي بل يتحدثون عن الامامة لانها الخُرافة التي اطلقها النوبختي في فرق الشيعة والتي تقوم على الوصية..لكن اين الوصية ؟ لا وجود لها وحتى الرسول (ص) لم يوصِ لأحد..لذا تحولت الوصية الى الطائِفية تغطية للفشل الكبير.
والشرائع القانونية قديمة قدم الحضارات كما في الشرائع العراقية واليونانية والرومانية .. وبعض ما جاء به الاسلام من قوانين شرعية مُستل منها.. كما جاء في قوانين حمورابي التي جاءت كنص في القرآن : “وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص الاية 45 من سورة المائدة “.؟
لاشك ان هذه الُفرقة الدينية لن تحارب بالسلاح ولن تهزم فكرياً اليوم الا بتدمير البنية الآيديولوجية التي يقوم عليها الامر الذي يحتاج الى عامل قانوني صارم ومنهج مدرسي واضحً لابعاد الرأي الانساني عن نظريات العنف والقتل والتدمير.
ولا يستطيع اي باحث او كاتب ان يتعرض لمعطيات شرعية دولة من الدول في النظام او القوانين ،في الحياة الاجتماعية او السياسية او الثقافية لبلد معين،سواءًًكان هذا في الماضي او الحاضر ،مالم يدرس او يبحث ويسلط الضوء على منهج قانونية الشريعة في التطبيق ..لانها تمثل طبيعة الفلسفة المعمقة في بيان التحقيق ، والقوانين التي كانت تحكم ذلك النظام،او هذه الدولة،في هذه الحقبة او تلك،لاننا لا نستطيع ان نتفهم كيان أسمه نظام أو دولة مالم نتلمس معنى دقأئق تلك الفلسفة أو المعتقدات التي أرتضتها الجماعة لتكون لها ميراثاً قانونيا متساويا بين المواطنين … عَتيد.
ان الحكم في الاسلام اساسه التراضي او التوافق وفق مبدا الحق والعدل وليس مبدأ التفرد والأستغلال كما يعمل به اليوم في دولة اللاقانون ،لأن الشرعية علاقتها واضحة بمبدأ الشورى والرضى عن المُولى يأتي عن طريق توليته وحقه الشرعي ،هذه الشورى التي حولوها اليوم الى ولاية الفقيه ،ثم يكون المُولى أهلا للحكم وليس غاصباً له “كما يقول نوري المالكي : “أخذناها وبعد ما ننطيها”،أو كما قال الدكتور محمود المشهداني رئيس الحزب الاسلامي : “نحن جئنا كعصبة تفليش وتهديم لا بناء واصلاح”..وهم يمثلون احزابا أسلامية تعاملت مع الخيانة الوطنية بعد التغيير ولا زالوا يحكمون..فكيف يجوز لهم التولية على المواطنين .لان الخلافة او الرئاسة في المفهوم الاسلامي تمثل السلطة التي تقوم نيابة عن الرسول(ص)بالنظر في مصالح المسلمين – كل الشعب دون تمييز- حيث يعتبر الخليفة او الرئيس الحاكم الاعلى للدولة ويجب طاعته بشرط ان لا يخالف الوصايا العشر في الحقوق التي وردت في الفرقان شرطا مكتوبا عليه..كقوانين .ولم تطبق شرعية الشورى الحقيقة بالمطلق في كل العصورالاسلامية دون استثناء.
ويبقى الشرط مقرونا بشروط الكفاءة التي يجب ان يتمتع بها الحاكم وبأخلاقية التطبيق، منها العدالة والعلم وسلامة الحواس وسلامة الاعضاء والشجاعة في قول الحق وحقوق الرعية والرأي المفضي الى تدبير مصالح الامة او الشعب “أعدلوا ولو كان ذا قربى”.يقول الحق :”ألم*الله لا آله الا هو الحي القيوم* نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدىً للناس.. وأنزل الفرقان آل عمران 1-3″.أي ان القرآن قد صادق على ما ورد في الكتابين السابقين أي اعترف بنصوصهما كقوانين ،لأن الوحي لا يتجزأ في جوهرة الذي يأتي في أتفاق مع كل عصروهذه الاية الكريمة جاءت كقانون حلا للمؤاخاة بين الديانات دون تفريق..
من هنا فالشرعية الدينية واحدة لا تختلف يجب ان تطبق على الجميع لا كما فهمها فقهاء الدين الذين حول الاسلام الى مذاهب وأديان كل منه يخالف الأخر في التطبيق ، والتي لم يتفوه بها الامام جعفر الصادق (ع) ولا الأمام ابو حنيفة النعمان (رض)..ومن لديه الاعتراض فليأتينا بنص ودليل.فحول الفقهاء الدين الى أديان بمذاهب مختلفة الاهداف والتطبيق ،ومن يتبعهم بالانفرادية بهم دون الاخرين..فأذا جاء الدين من اجل الفرقة والأقتتال بين الناس وتدمير الحقوق والشتيمة للسابقين كما يتفلسف بها المشعوذون اليوم .. فلا اعتراف بدين من هذا القبيل.
اما التراضي والتوافق اللذان ينادي بهما من يحكمون اليوم باطلاً فقد حددت الشريعة المتكاملة له شروطا اقسى وأمر منها :ان لايُقدم المفضول على الافضل لاي سبب كان كما يفعلون اليوم ..وان يُختار صاحب المنصب المتوافق عليه ممن تنطبق عليه شروط التولية وان يكون أمينا يتمتع بالسمعة والسلوك الحسن دون ان يحق لاحد مجاراته لاي سيبب كان.،كما في رفض الامام علي(ع) تولية اخاه عقيل ولاية “يا عقيل انت ليس اهلا لها” السيوطي تاريخ الخلفاء “ص 204” لعدم توفر شروط الطلب فيه.فأين نحن من تطبيق الشرعية الملزمة بالقرآن التي يدعون بها اليوم من اصحاب علي(ع) وغيرهم من الحاكمين..؟..في دولة فقدت الشرعية القانونية في الحق والعدل في التطبيق..واصبح الاقارب الجهلة هم المفضلون في مناصب الدولة العسكرية والمدنية في التعيين.
لكن النقطة التي يجب التنويه اليها هو ان قادة الشيعة العلوية لا يلتزمون بهذا المبدأ العام في تطبيق الشرعية السياسية،بل بمبدأ شرعية التفضيل لاتباع أهل البيت دون سواهم كونهم من أهل المعرفة والعرفان ،لذا فثروة الدولة لهم دون أعتراض كما يفعلون اليوم. …في وقت لانجد نصا يدعمهم بالمطلق…بعد ان قبل الامام علي بولاية البيعة في التنصيب … حين جوزوا ان لا احد يسمى امير المؤمنين الا علي بن ابي طالب، ولا يجوز لغير الأئمة من نسل الامام علي وزوجه فاطمة الزهراءان يتلقبوا بهذ اللقب. لان كل أمام يوصي للذي يليه في الامانة،حتى يصبح المرشح الشرعي للوظيفة المقدسة( السيوطي،اللآلىء المصنوعةج 1 ص 184-185).وماذا بعد انتهاء الأئمة الأثنا عشر ..فأخترعوا نظرية الامام المهدي ابن الحسن العسكري وهي مجرد وَهَم..وهم يعلمون علم اليقين..وظلت السمة سارية عندهم في كل آدوار التاريخ الاسلامي..كما في الدولة المهدية في المغرب والفاطمية في مصر والبويهية في العراق.. .
لقد اصبح من الصعب جدا ازاحة الخطأ الذي لم يتعلموا منه عبر العصور من رؤوس الناس بعد ان اعتقدوا بصحته عبر الزمن الطويل، ان الفكر المضاد الذي يريد ان يعالج الواقع الموضوعي عليه ان يعالج الكل الاجتماعي بظروفه وقوانينه التي تركزت في الاذهان .وهنا لابد من ان يسلك الطريق الصعب طريق الاستقراء والاحصاء والاستقصاء والتمحيص والتصنيف والتمييز بين الطبيعة الاصلية وبين الظواهر العارضة،أنظر ابراهيم الغويل ،المشروع الاسلامي ص193).
هنا يقف الكل امام حيرة التطبيق ومن اين نبدأ ؟ وكيف؟ ومن يستجيب؟ ويبقى السؤال المطروح،هل ان الفقه الاسلام يستطيع معالجة مشكلات العصر الحديث اليوم وسط هذا الضجيج التكنولوجي العالمي الكبير ؟ وهل لديه ايديولوجية ترقى الى هذا المستوى؟وهل لديه من المفكرين الاحرار الذين يستطيعون نقل الصورة الحقيقية للاسلام للاخرين والسلطة الجائرة تحكم خارج القانون ؟ بكل صدق وصراحة بعيدا عن العاطفة الدينية،أقول: لأ…؟
.لأننا لازلنا نتعكز على التفسير والمفسرين القدامى وعلى فقهاءالبويهيين والسلجوقيين الذين فسروا القرآن وفق منطوقهم اللغوي والفلسفي كما عند الكليني في كتابه الكافي وابن تيمية والغزالي “الغاية تبرر الوسيلة ” … أذن كيف يجب ان نختار ؟ هذا ما يجب ان نبحث فيه بروح التجرد لا بمنطق الفرق الدينية المتعارضة فيما بينها والمليشيات الناكرة للقوانين اليوم والقاتلة لكل من يعارضها في الرأي ..ولكن ..لا يوجد مستحيل لمن يحاول .. وهوان يطلب الحق وان قل..ولكن بقناعة المنطق لا بقناعة التهريج.ولكن من يعتقدون ان دراسة الفلسفة أم العلوم حرام …هل سيأتينا بجديد..
ان الذين استولوا على مفاصل الدولة من العدو الكافر بعد التغيير عام 2003 كما يقولون لن يسمحوا للفكر ان يحضر لنقاش حقوقه من عدمها ..لأنهم هم اصلا لا يعترفون بحقوق الاخرين بعد ان خانوا القسم واليمين والنص القرآني المكين ..وما دامت نظرية الشرعية الدينية حسب مفهومهم الناقص هي التي تحكم ، حيث اصبح النص الديني عندهم لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي ، لن نصل الى ما يقره النص المقدس ويريد من وضوح الرؤيا في التنفيذ..بعد ان اجازوا الاعتراف بالسلطة القائمة حتى ولو غير مستوفية لشروط شرعية القانون ، بحكم قوة الحاكم الالزامية ..وكما يقول ابن تيمية ان فصل الدين عن الدولة يعني الفوضى ولم يحدد لنا الشروط ..وهم يقولون :”آخذناها وبعد ما ننطيها “من هنا فقد اقفلوا نظرية الاجتهاد وقربوا علماء الجبر، وتشجيع فكرة القدر فتوقف الرأي الحرفسادت دكتاتورية السلطة في التنفيذ..
ولا زلنا الى اليوم نفتقر الى وجود نظرية اسلامية واحدة في المعرفة الانسانية ،مصاغة صياغة حديثة ،ومستنبطة حصراً من القرآن الكريم ، وهم مختلفون..في حين ان العقل يحكم ان لا يجتمع على صدقٍ نقيضان.
jabbarmansi@ gmail.com