يعيش عرب المهجر اليوم _ بما فيهم المسلمين غير العرب _ في قلب القارة العجوزة حالة من الإرباك والتخبط والضياع والتهديد والوعيد, ويدفعون ثمن سلوك الجماعات الراديكالية المتطرّفة التي لا ينتمون لها من أي باب من الأبواب, وهم يشكلون نسبة عددية لا يُستهان بها, ورقماً ديمغرافياً يصعب تجاهله, وعامل إنتاج هام للاقتصاد الأوروبي, لأنهم يقدمون خدمة للشعوب الأوروبية من خلال اشغالهم واعمالهم الحرفية, خصوصاً وإن أغلب عرب المهجر هم ذوي الاختصاص والكفاءات العلمية والطاقات الفكرية الكفوءة, الأمر الذي يُغني أوروبا ويرفدها بمزيد من الإنتاج الفكري ودفع عجلة التفوّق الأوروبي خصوصاً وهي سبقت العالم بالحداثة والتحديث والعلمنة والثورة من أجل الإصلاح (الديني والسياسي) من مارتن لوثر إلى نابليون بونابرت, إلى بسمارك, إلى هيكل, إلى كانط والقائمة تطول, إلا إن العرب لا يمكن تجاهل عقلهم وفكرهم البناء فهم أحفاد أباء الحضارة الإنسانية في العالم, وهم الورثة الشرعيين لتلك القيم السامية, وإنْ فقدوا ذلك, لكن هذا لا يعني افتقادهم لشرعية الحضارة أو السعي لإعادة بناء مشروعها النهضوي, ونحن ندرك جيداً حجم ما قدمته الحضارة العربية والإسلامية لأوروبا والعالم.
اليوم يعمل الرَّهاب الإسلامي بما هو حركات دينية متشددة (مُغرر بها) على تقديم عرب أوروبا (المهجر) ضحايا مجانية, بلا ثمن لتيارات الراديكالية المسيحية المتشددة التي تقف ورائها المسيحية الصهيونية والدوائر المخابراتية الغربية المعادية للإسلام, أي إنْ عرب المهجر اليوم هم سلعة تتداول في بورصة التطرّف الديني وضحية وكبائش وقرابين يقدمها الإسلام السياسي ويقتلها باسم الرهاب الإسلامي “الإسلاموفوبيا”, ويدفنها الرهاب المسيحي “المسيحية الصهيونية” الفاعلة والناشطة خلاياها برساميّل يهودية بحتة, ودّس من نوع الإسرائيليات الناشطة في التنصيص لنظرية المؤامرة.
أن ما يحدث في أوروبا من عمليات تفجير ارهابية تطال الأمنين والعُزل يقوم بها متشددون دينيون هو ليس أمر من قبيل الصدفة, أو مُخطط له من جانب الجماعات الإسلامية على اعتباره انجاز ديني لهم, وإنما هو مخطط مدروس ومُمنهج ومُدبر في غرف مظلمة للعمليات المخابراتية ودوائرها الأمنية التي عدت العدة بعد وفرة التلقينات والدعوات من اللوبي الصهيوني اللاعب بالقرار السياسي الغربي في كل دول حلف الأطلنطي, توافقاً مع التيار الراديكالي المسيحي الذي يتحسس من العرب والمسلمين, وينظر إليهم على إنه “خطر أخضر”, وليس غصن زيتون أخضر (!), وهي فكرة أنشأتها المسيحية الصهيونية لإقناع الرآي العام الغربي بالتخْوف من الإسلام, وخطر الرَّهاب الإسلامي, وتنامي المد الإسلامي في أوروبا, ودخول العشرات إلى الإسلام في أكبر العواصم الغربية (برلين, باريس, لندن وغيرها), وهو تخْوف مُبالغ به, وكاذب, ولا يبت بالواقع بصله, لكن الخلل يكمن في تلك الجماعات الدينية التي تمارس الارهاب بشرعية نصوص الإسلام السياسي, كونها تتبنى الهجوم أو العملية الإرهابية بشأفة رأس فخور, رغم إنها لم تفعله أو إنهُ غُرر بها ففعلته (أو وقعت في فخاخه), وهي تتصور إن الإسلام ينتشر بالقوة والعافية, حتى قدمت صورة للمواطن الغربي بإن الإسلام لا يتنشر إلا بالسيف والدرع والجوشن, ولا تسير مراكبة إلا بالدم والدموع, وهي فكرة مغالط بها وتندرج ضمن مفاهيم “الإسرائليات” التي دست الإسلام من خاصرته.
وهاهم العرب المتغربين والمسلمين المقيمين في أوروبا يواجهون مصيراً مجهولاً وخطيراً, ويتعرضون لمضايقات جسدية أو حسية جراء تفسيرات من نوع “التسطيح الفكري” للنصوص الدينية التي تتبناها جماعات الإسلام السياسي, والتي تتساوق إلى حد ما مع طروحات الماسونية والدس الصهيو _ غربي, التي تُريد إسلاماً وفق المواصفات الأمريكية, يكون بمثابة عدو افتراضي يُبرر الهجوم على العرب والإسلام على اعتبارهم خطر أخضر حل بديلاً عن الشيوعية “الخطر الأحمر”.