26 نوفمبر، 2024 2:34 م
Search
Close this search box.

بين الرحمة والعدالة

بين الرحمة والعدالة

تتذبذب قوانين الامس واليوم في عراقنا الحبيب بين ميل الى الرحمة او العاطفة بتعبير ادق في بعضها وميل الى العدالة والحزم في بعضها الاخر في حين تتجاوز الكثير منها اطر الرحمة والعدالة الى المصلحة الفئوية او المغريات الانتخابية او غيرها مما سنتطرق له هنا وقد تطرق اليه قبلنا الكثيرون وسيتناوله بعدنا الكثيرون ايضاً فهو موضوع باق بقاء النوازع البشرية المادية والمعنوية والفئوية تتحكم بمشرعينا منذ الازل وربما الى الابد!
لا يختلف اثنان ان الجهة المسؤولة عن تشريع القوانين هي مجلس النواب كجهة تشريعية منتخبة من قبل الشعب ويفترض ان تعبر عن تطلعاته ولكن في الواقع هناك شيء يغيب عن ذهن الكثير من ابناء الشعب وهو ان النواب المنتخبين ولثلاث فترات انتخابية متتالية يحاولون فرض وصاية على الشعب من حيث تشخيص ما يرون انه صالح للشعب وان كان الواقع او الظاهر غير ذلك (هذا ان كانوا فعلاً يرون انفسهم ممثلين للإرادة الشعب او مصالحه!) ولم يكلف هؤلاء المشرعون الجدد انفسهم استشارة الشعب فيما يتخذون من قوانين بل على الاقل استشارة ممثلي الشعب من نخب مثقفة او كوادر متقدمة في الهيئات العاملة في الشارع من منظمات مجتمع مدني وتجمعات فكرية او اجتماعية او غيرها بل اخذ النواب يسنون من القوانين ما يلائم اهواء الشارع تارة وان كان فيه ضرر اني او مؤجل فقط لكسب ود الناخبين وما يلائم توافقاتهم الحزبية تارة اخرى والامثلة على هذا كثيرة وابرزها قوانين الكمارك ومؤسسات الشهداء والسجناء السياسيين والتعليم العالي والتجارة والنفط وغيرها في حين تتخذ بعض القوانين الاخرى طابعاً صارماً صورياً وحبر على ورق فقط ولم تنفذ على احد الا القليل ممن لا ناصر له ولا معين!
على كل حال تشكلت لدينا حزمة قوانين جديدة قام بعضها على اشلاء قوانين مجلس قيادة الثورة المنحل كإلغاء لها او اعادة صياغة لبعضها وقام الاخر بصفقة سياسية لتحصيل مكاسب حزبية او فئوية او تمرير مخططات بعيدة المدى لتثبيت اركان هذا الطرف او ذاك وحين جاء الوقت للتطبيق وقعت الكارثة…. لا مجال لتطبيق اغلب القوانين في ظل المحاصصة! فكل قانون يمس الطرف (س) حين تطبيقه او محاولة تطبيقه تتعالى بعدها الاصوات ضده بالظليمة والمظلومية والاستهداف الطائفي او الحزبي او غيرها فعلى من تطبق القوانين!!؟؟
قال احدهم يوماً ان (القانون لا يحمي المغفلين) وفي بلدي اليوم من القوانين من يحمي حتى المجرمين! والعذر انه سياسي من الجهة (س) او (ص) وتطبيق القانون بحقه يسبب ازمة سياسية! بل ان بعض القوانين هي بحد ذاتها فوضى وليست قوانين فحين يراد للشعب كله ان يكمل دراسته لتدعيم صفوف بعض الواجهات السياسية بالكفاءات المزيفة او المشوهة تداس الرصانة العلمية والاستحقاق العلمي بنعل القوانين والاستثناءات فيلغى شرط المعدل والعمر من كل من يريد ويقدر على اكمال الدراسة في الداخل او الخارج! وحين يراد كسب ود فئة من الشعب او جهة معينة يسن قانون خصيصاً لها ولمصلحتها حتى لو تعارض او تقاطع مع مصالح الدولة العليا او اقتصاد البلد او امنه واستقراره وما قرار دمج المليشيات الذي اريد له ان يساعد في حفظ الامن الا قنبلة موقوتة زرعت في قلب الاجهزة الامنية بمنح رتب عسكرية وامنية لأناس لا يفكون الخط فقط لأنه كان (مجاهد!) او لأنه عنصر فعال في تنظيم مسلح كان ضد النظام الى وقت قريب وحين اريد جلبه الى العملية السياسية والحياة المدنية قلدناه رتبة عسكرية وامّرناه على خلق كثير من اصحاب الكفاءات والشهادات التي تفوق علمه وفهمه بكثير والخروقات الامنية المتكررة خير دليل على بؤس وعدم كفاءة القيادات المدموجة ولكن لم يفكر احد بإلغاء هذا القرار لأنه يمس بجهة معينة او جهات فألى متى!!؟؟
القانون ومنذ بدء الخلق يفترض به ان ينظم معيشة الناس ويحفظ حقوقهم ويفرض عليهم الالتزام بأداء واجباتهم ولكن حين يقوم اناس غير مختصين في مجال القانون والسياسة والاقتصاد والاجتماع وادارة الدولة بسن القوانين فمن الحتمي ان تقع المفارقة والهشاشة والركاكة والتعارض والتقاطع فيما يسنون ونرى كل يوم في جلسات مجلس النواب كم من القوانين تؤجل ويطول الحديث حولها اشهراً طويلة مثل قانون النفط والغاز وقانون التقاعد والبنى التحتية وغيرها من القوانين المهمة ولكن قانون منح مخصصات اضافية للقرطاسية مثلاً لأعضاء مجلس النواب (او كما يحلو لهم تسميتها منح ومكافآت) لا يستغرق اكثر من تصويت بالأجماع ورفعت الجلسة!
ونحن على اعتاب مرحلة انتخابية جديدة في العام القادم لمجلس النواب اتمنى ان ترشح الاحزاب من ممثليها للانتخابات اناس متخصصون في التشريع والقانون الدولي والعلوم الاجتماعية والاقتصادية فعلاً اقتصادياً واجتماعياً وتخطيطياً من منطلق علم واختصاص وخبرة وليس واجهات عشائرية وحزبية لا تسمن ولا تغني من جوع فقد اثبت امثالهم فشلهم في ادارة الميزانيات الضخمة التي يزخر بها العراق ولم ينجحوا في استغلالها للنهضة الاقتصادية والاجتماعية لشعبنا طيلة عشرة سنوات من عمر التجربة الجديدة واذا اريد لمجلس النواب ان ينجح في تشريع الصالح من القوانين فأول شيء يجب ان نبدأ به هو المشاركة مع المرشحين للتنازل عن مخصصاتهم الاضافية والتقاعدات المهولة التي تثقل كاهل الدولة وتأخذ من حصة الفقير ومراقبة النواب والمطالبة بإقالة المسيئين منهم ومطالبتهم بالعهود والعقود التي يوقعونها مع الشعب او مع قيادات كتلهم وكفى سكوتاً عن المفسدين وتحصيناً لهم بقوانين واعراف مستجدة لا تفيد الا سكان المنطقة الخضراء.
فبين الرحمة المفرطة او الظاهرية احياناً والعدالة الشكلية والصورية لقوانيننا اصبح الدستور والقوانين مثل شبكة العنكبوت تمسك بصغار الفرائس وتطبق على ضعاف الناس وحيتان السياسة والاقتصاد والمتاجرة بالأموال والارواح يسرحون ويمرحون ويمزقون شبكة العنكبوت ان تعارضت مع مصالحهم.

أحدث المقالات