قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
شيء جميل ورائع أن يخطو المرء في أي عمل يقدم عليه خطوات محسوبة ومدروسة العواقب، وأن يكون التأني والروية دأبه في اتخاذ القرارات قبل البت بها والعمل على أساسها، وبهذا يضمن النتائج المتوخاة من خطواته تلك. إذ كما تعلمنا في صغرنا ان في العجلة الندامة وفي التأني السلامة، وقد نورنا الحكماء والأدباء والشعراء بكثير من الأقوال والأحاديث والأشعار التي تحثنا على التؤدة في اتخاذ القرارات، كما قال شاعرنا:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا روية
فان فساد الرأي أن تستعجلا
ولنا في أمثالنا العراقية الشعبية ما تنوء به أسفار التاريخ في جميع أمور حياتنا اليومية، كمثلنا القائل: (اللي تهدّه ماعثر). لكن الذي يثير التساؤلات والعجب هو تمادي برلماننا في التأني والروية والتؤدة، ومبالغته فيها حتى غدت أصابع الاتهام تشير الى أعضائه -فضلا عن رئيسه- متهمة إياهم بالتباطؤ المتعمد حدا أضر بالعراق والعراقيين، باقرار قوانين لها من المنتظرين ملايين من أبناء هذا البلد، ممن تأملوا الخير في التغيير الذي آل اليه العراق قبل ستة عشر عاما، أي مضى عليه نصف المدة الزمنية التي جثم فيها شبح صدام ونظامه على صدورنا ولاقينا مالاقيناه فيها، واذا أردنا البدء بالعد التنازلي من اليوم فكما نقول (غمّض فتـّح) تنتهي الخمسة عشر عاما القادمة، ونكون حينها قد أكملنا الثلاثين بزيادة، وينطبق علينا إذاك المثل (يخلص من الطاوة تتلگاه النار) أو المثل الآخر -والأمثال كثر- (بدلنا عليوي بعلاوي). وقد بات من غير المعقول السير السلحفاتي هذا بين رفع قرار وقراءته وتشريعه وإقراراه، وكأن العملية برمتها تمرير وقت وتمشية أعمال وقضاء حال، ومن غير المعقول واللائق بمسؤولين وضع الشعب فيهم ثقته وأمله ان يخذلوه بعد الوعود والعهود التي قطعوها له، فهم بهذا يضحكون على الذقون، ويتسببون بتأخير مرافق البلد وسير عجلته، ويزيدون في الفجوة والهوة بين المواطن وقياداته وحكامه، لاسيما ان هناك من يتربص ويتحين الفرص من أجل تمرير أجندة مبيتة من أطراف داخلية وخارجية، هدفها النيل من العراق والسعي في إبقائه في واد ناء عن باقي الأمم، ومن المؤكد أن هذا لايخدم أي عراقي ان كان مواطنا أو برلمانيا او وزيرا او رئيس وزراء.
إن الوضع العراقي الحالي تنقصه أشياء كثيرة في مفاصله كافة، فسياسته تحتاج الى توحيد رؤىً وصفاء نيات.. واقتصاده يحتاج الى خطط جديدة تتكافأ مع متطلبات البلد الحالية، وفق معطياته أولا والمستجدات في أوضاع العالم الاقتصادية ثانيا.. وأوضاعه الاجتماعية تحتاج الى دراسات تتزامن مع التطورات الداخلية التي حدثت بعد عام 2003.. ويطول الحديث عن باقي أركانه الصناعية والصحية والتربوية… وكل هذه تحتاج عملا جادا وسريعا لتحقيق النتائج المرجوة. وقد قال شاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا