18 ديسمبر، 2024 8:13 م

بين التجديد وبيعة العبيد

بين التجديد وبيعة العبيد

ان القاعدة الاساس في بناء المجتمعات وتنمية قدراتها الذاتية, يكمن في مدى استعدادها لا استعدائها للتعامل مع طبيعة المتغيرات, ثقافية كانت اوسياسية واجتماعية اوغيرها, وفق منهجية منطقية واضحة منسجمة ومتطلبات الواقع الذي اصبح رهن الحداثة والتجدد في كل جزئياته وكلياته.

التمحورحول رؤية نمطية واحدة والتمسك باذيالها ونبذ واستعداء كل ما من شانه ان يتعارض وتلك الرؤية, لن يؤدي الا نحو المسير بتجاه واحد فقط, وهذا ما يعبرعنه بالانغلاق الفكري او الاطار الفكري الضيق, الذي في العادة ما يكون متأتيا من ضيق الاحاطة واحتواء طيف الوان المتغيرات والتمازج والانسجام معها, الناجم عن عدة عوامل اساسية, اديولوجية و تاريخية اعتبارية متجذرة في سايكولوجيا العقل الجماهيري الجمعي وتجلياته اللاشعورية, وبالتالي فان من صعوبة بمكان اجراء اي تغيير في سلوكيات المجتمعات واعادة هيكلة بنائاتها الفكرية, دون كسر جمود تلك الاطر وفك طلاسم ملابسات مشاربها الفكرية ودراسة العوامل والاسباب التي ادت بالنتيجة نحو الانغماس في غياهب التدهور المجتمعي وضياع البوصلة. فأنك تجد ان معظم هذه الشعوب التي تتمحور حول قراءات نمطية واراء اتية من وراء التاريخ بشخصياتها الكارتونية والانغلاق من حولها, كثيرا ما ترمي اسباب تهدورها الاقتصادي والسياسي برأس القوى الخارجية الاخرى, نعم, قد يكون هذا جزء من الاسباب التي دفعت الى هكذا نوع من الدهور في بعض حالاتها, لكن مع هذا لا يمكن الوقوف على هذا السبب والتغاضي عن جملة الاسباب الذاتية الاخرى, المتعلقة بطبيعة الاستراتيجيات الفكرية والسياسات المتبعة للمجتمعات ذاتها, فهناك الكثير من الشعوب والامم الاخرى, تعرضت للويلات ولمؤامرات ولمعارك طاحنة كبرى وسرعان ما نهضت واصبحت في مصاف الشعوب والدول المتقدمة, وعلى سبيل المثال لا الحصر ومن باب الاستشهاد لا الاجتهاد؛ يقول احد المفكرين العرب ” لو ان عربيا اخترع المحرك البخاري في تلك الحقبة لما تم صناعته حتى اللحظة” وازيد عليه قائلا ” لبقينا وحتى اللحظة نمتطي البغال ونقود الاحصنة”..

ان العلة في تردي واقع المجتمع وتراجعه, هي انه مازال يجتر امجاد الماضي على حساب واقعه ومازال يتوق لايام خلت, وما زال يسعى جاهدا للتمسك باي قشة تصادفه من زعامات سياسية فاسدة او شخصيات دينية مزيفة او حتى وجهاء مخادعون, لاجل اشباع شغف عقدة الشعوراللاواعي بالعجز والهزيمة والانكسار. ومن هنا وبالنتيجة فان هؤلاء المستلطون المتعالون المفتتئون يعمدون لاجل ادامة النفوذ على بلورة تلك الاحاسيس المتناقضة, لتكون مادة فاعلة في استدمة زخم المهزومين من حولهم, و وقود تتقذ به شعلة نرجسية هزيمتهم وترديد النظريات الزاعمة بالتأمر ضدهم, والتي هي بالنتيجة ترفع من تيرة الاسقاطات لديهم. ومن الطبيعي جدا على المتسيدين التنقيب عن هذه المثالب في المجتمعات وتغذيتها لاجل توظيفها لتحقيق مارب اخرى. فجميع الانفعالات النفسية والتناقضات البنيوية والمشاعر المترددة بين المجد والهزيمة والانكسار, تشكل فرصة يمكن الانتفاع بها ورسم استرتيجياتها وفق ما تقتضه مصالح السياسة او غيرها.

التقدم نحو الوراء..!

ان المصدر الذي يمد هذه الجماعات المحتشدة يتلخص في الشعور الدائم بالفشل الممتزج بالحاجة الملحة التعزيز جنون العظمة, والسعي للبحث عن كبش فداء يمكن تحميله وزر اوجاع تردي واقعها, واسقاطه من خلال التاكيد على التفوق على الاخرين واسقاطهم برغبة تفردية جامحة. وهنا تبدأ حكاية الصراع بين اشتات القوى, الذي لا ينفك عن الاستعار طالما كان هناك شعور بالهزيمة والانكسار, الناجم في النهاية عن ضيق افق القراءة والتفرد بالقرار.

محورية البوصلة..

ان النظرة السائدة لدى المجتمعات النائية التي ترتفع فيها وتيرة الانفعال المختلفة, تتمحور حول استعداء كل ما من شأنه ان لا يتفق وما تملكه من تركمات فكرية, سواء كانت مناقضة او متسقة. وبالتالي فأنها مضطرة لممارسة التنكر والاقصاء, لاجل قطع الطريق عن كل ما هو جديد الحفاظ على سماكة اطرها الفكرة من الاختراق, خشية ضياع ارثها الحضاري والتاريخي كما يعتقدون, ومن هنا ينطلق السعي نحو العناد والاجحاد المبرر بعناوين براقة في ظاهرها فضفاضة في معانيها.

النزاع الذتي القائم اليوم, يكمن بعدم القدرة على ايجاد مساحات مشتركة واوراق لعب تتيح لها المواكبة, والمزاوجة بين رؤيتها وما تقتضيه من تجليات سلوكية (سياسية او دينية او عرفية اجتماعية) وبين طبيعة الواقع وما يحيطه من متغيرات, فان سايكلوجيا الفرد اذ ما دققت النظرفيها, تجده يعوم في بحر من التناقضات اللاشعورية بين ما النهضة والنكبة, وبين ان يحقق ذاته وبين ان يكون مطية منقادة نحو اشباع رغبة نهم عقده النفسية تراكمية, التي تستدعي منه استعداء الاخرين معتقدا ان كل ما حل به من ويلات وفقر وتخلف ناشئ من القوى الاخرى… هناك ركيزتين اساسيتين لا ينبغي تجاوزها دون امعان النظر في تداخلها؛ الاولى تتمحور حول جاذبية الايديولوجيا ( القراءة الدينية الزائفة- العقيدة السياسية الفاسدة في بعض حالاتها ) التي تدعو الى زهد الحياة والتخلي عن كل ما من شانه ان يمت للحياة بصلة, والعمل بكل عزم للوصول لنعيم الاخرة, كون الحياة محطة قطار ليس الا, وبين قوة جاذبة اخرى؛ تدعو الى التمسك بالحياة واهميتها, وبالتالي فان البوصلة باتت مشتته ضائعة بين القوتين!

بينما القاعدة الاسلامية الاساس تنظر الى ضروة واهيمة ايجاد مساحة مشتركة “اعمل لدنيا كأنك تعش ابدا وعمل لاخرتك كأنك تمت غدا”

 

بهيمية الانسان.. العقدة في السنان