22 ديسمبر، 2024 9:00 م

بين الاقتصاد والعقيدة .. تطور الغرب وتخلفنا

بين الاقتصاد والعقيدة .. تطور الغرب وتخلفنا

( لا زالت شعوب منطقتنا تتخذ من الافكار والايدلوجيات العقائدية سببا للصراعات فيما بينها , وتفرخ الاحزاب والمنظمات على ضوئها , بينما يضع العالم الحديث الاقتصاد محورا لتوجهاتها وصراعاتها , ومعظم احزابها خدمية دون ايدلوجيات )

منذ القدم والاقتصاد هو المحرك الاساس في تحديد توجهات الكيانات السياسية وحتى الاجتماعية , وكل الحروب التي نشبت على مر التاريخ كان الهدف الرئيس ورائها هو الاقتصاد , وما تباين فيها كانت الادوات والعوامل المجردة , فحتى الحروب المقدسة التي كان الدين السبب المعلن لها , كان الاقتصاد هو هدفها الحقيقي وغايتها .
وفي العصر الحديث وبعد تعقيد المفاهيم الاقتصادية اصبح الاقتصاد متحكما ليس فقط في نشوب الحروب بين الدول والمجموعات وانما حتى في نوعية العلاقات السياسية بينها .
الجهة الوحيدة التي شذت عن هذه القاعدة وانحرفت عن منطقية الاشياء هي الشعوب المسلمة في العصر الحديث , فمع بروز حركات اسلامية تدعو لتحكيم الشرع بين الشعوب الاسلامية وترفع شعار الاسلام هو الحل, اصبحت العقيدة المحور الرئيس للصراع لديها , سواء بين هذه الحركات وحكومات المنطقة , او بين هذه الحركات والقوى الدولية , او بين هذه الحركات بعضها البعض , وتم توظيف الاقتصاد لديمومة هذا الصراع , مع ان المسلمين الاوائل وكما قلنا انفا لم يغب عامل الاقتصاد عن فتوحاتهم الاسلامية , ولنا ان نلاحظ خط سير الفتوحات الاسلامية سواء لبلاد الرافدين او الشام او مصر, والاموال الطائلة التي جنوها منها , لنكتشف اولوية الاقتصاد في تلك الفتوحات .
ان السبب الرئيس لوضع العقيدة محورا في صراع الحركات الاسلامية مع الاخرين , هو افتقار القائمين عليها للحنكة السياسية اللازمة , وعدم الالمام بتعقيدات العلاقات الدولية الحديثة , فهم لا يزالون يعيشون في متون الكتب القديمة الصفراء , تقتصر مداركهم على العلوم الدينية التي تجعل من الفرد يفكر ببعد فكري واحد دون اخذ بقية الابعاد بنظر الاعتبار . لذلك نرى ان تلك الاحزاب والحركات استغلت بسهولة من قبل القوى الدولية تحركها حسب مصالحها (بشكل مباشر او غير مباشر) لضرب اقتصاديات دول المنطقة , واستنزاف طاقاتها المالية في صراعات لم يخرج منها اي طرف منتصرا لغاية يومنا هذا .
هناك نقاط معينة تميز الصراعات الاقتصادية في العصر الحديث عن تلك التي تكون اهدافها عقائدية : –
اولا .. ان الحروب لا تكون نتيجة حتمية للصراعات الاقتصادية الا ما ندر , بينما لا توجد مساومة في الصراع العقائدي لذلك تكون الحروب هي الحل الاقرب ولها الاولوية .
ثانيا.. الصراع الاقتصادي يستنزف الطرف المهزوم فقط, بينما يمكن للطرف المنتصر تعويض خساراته المالية كنتيجة حتمية ( اذا لم يصل الصراع لمستوى الحرب) , اما في الصراع العقائدي فان جميع الاطراف خاسرة ومهزومة تستنزف اقتصاداتها دون ان تكون لها القدرة على التعويض .
ثالثا.. ان الصراع الاقتصادي تكون نتائجه مادية ملموسة ( للطرف المنتصر) , بينما في الصراع العقائدي فان الاموال توظف وتصرف لانتصار افكار عقائدية غير ملموسة , وبذلك تكون نتائجها سرابا حتى للطرف المنتصر .
ان الحركات الاسلامية ( السياسية ) التي تختزن في ذاكرتها العقدية تسخير النفس والروح من اجل نصرة عقيدتها , لن تتردد بالتاكيد في تسخير الاقتصاد من اجل تلك العقيدة , ولا ندري كيف يمكن لعقيدة ان تعتبر منتصرة على اشلاء اقتصاديات مدمرة ومتهالكة في مجتمعات جاهلة متخلفة .
فاذا ما حاولنا تقدير المبالغ الهائلة التي صرفت على الصراعات العقائدية في المنطقة بين حكومات دولها من جهة , والحركات والاحزاب والمنظمات العقائدية من جهة اخرى , نستطيع تخمين الدمار التي لحق بالمنطقة جراء هذا الصراع العبثي :-
*ابتداءا من الاموال التي وظفت لتاسيس تشيكلات الاخوان في بدايات القرن الماضي , مقابل الاموال التي رصدتها الحكومات لتامين امنها الداخلي بالوقوف في وجهها ..
*كذلك الاموال التي خصصت من قبل العراق وايران مثلا لديمومة الحرب التي استمرت بينهما لمدة ثمان سنوات والتي اختطلت فيها العقيدة الدينية مع العقيدة القومية ..
* اضافة للمبالغ التي وظفتها القاعدة وداعش لتنفيذ عملياتها الارهابية , مقابل الاموال التي رصدتها دول المنطقة للوقوف ضد هاتين المنظمتين , والدمار التي لحق بالمنطقة جراء تلك العمليات , يقابلها الاموال التي انفقت على اعمار المناطق التي دمرتها عمليات تلك المنظمتين …
* كذلك الاموال التي سخرتها ايران لتمويل اذرعها في المنطقة , مقابل الاموال التي رصدتها دول المنطقة السنية للتصدي لمحاولات ايران هذه ..
* وانتهاءا بالمبالغ الهائلة التي يسنزفها الصراع المذهبي الحالي في المنطقة بين الدول العربية السنية وايران )
كل هذه الاموال الضائعة تظهر لنا حالة الاستنزاف التي تسببت بها حركات الاسلام السياسي الدعوية منها والجهادية , السنية منها والشيعية . ولنا ان نتخيل وضع هذه الدول لو ان هذه المبالغ الهائلة على مدى قرن من الزمن قد انفقت على تنمية وازدهار دول المنطقة هذه . لندرك مدى الدمار والضرر التي لحقت بمنطقتنا جراء وجود هذه الافكار العقائدية فيها .
الغريب انه ورغم الدمار والتخلف الذي لحق بشعوب منطقتنا بسبب اقحام العقيدة في محور الصراع , وتحول كياناتها السياسية الى دول هلامية تفتقر الى ابسط مقومات الدولة , الا ان هذه الشعوب ما تزال مصرة على رفع شعار الاسلام هو الحل والمضي في ذات الدرب الذي لم يجن منها الاولون خيرا عوضا عن الاخرين .