في كل ديرة طاقات إبداعية زاخرة.. لها القدرة على توظيف المفردة الشعبية ببلاغة مدهشة في النظم..فالشاعر ابوكوثر مثلا يقول في مطلع زهيري له :
ياروح طيري ومع سراب الكطا هاجري…
ليلج إمعسعس ولا شكلو فجر هاجري ..
حيث يلاحظ إبداعه في توظيف كلمة (هاجري) ببلاغة.. ليعني بها هجرة الطيور المعروفة.. في حين يعني بها ارخاء الليل سدوله، من عبارة (هوجر الليل) في المتداول العامي لنفس المفردة، في نفس الوقت ..كما ابدع في استعارة كلمة( إمعسعس) من الفصحى البليغة (والليل إذا عسعس )..
ومثلما يتطلب ذلك الابداع شاعرا موهوبا ومقتدرا ..فإن الأمر يتطلب توفر وسط اجتماعي رفيع الذوق..قادر على استقبال وتداول تلك النصوص الراقية من العتابة والزهيري والكصيد بحس وجداني جياش، يتفاعل بتوهج مع إبداع الناظم.. مما يساعد في خلق بيئة ادبية شعبية متوقدة الحس …قادرة على التفاعل بايجابية مع النصوص الإبداعية لتلك الطاقات الواعدة .. وتلقيها بإقبال يتناسب مع قوة ايقاعها في مسامع افراد ذلك الوسط..
ولذلك يتطلب الأمر تنشيط التفاعل الجمعي في المجالس والتعاليل والمنتديات الأدبية ..بحيث ينعكس ذلك بشكل إيجابي في رفع مستوى التذوق الأدبي والحس الشاعري العام.. ويؤشر سموا راقيا في تلقي النتاجات الأدبية الإبداعية للطاقات الواعدة.. ويساعد على بروز المزيد منها..
ولا ريب أن النهوض بالثقافة العامة الجمعية، ينمي القدرات الإبداعية ، ويعمق نكهة تذوق اللغة العربية، بمفرداتها الفصحى والشعبية ،السائدة في التداول اليومي،ويحافظ عليها من العجمة، والرطانة، بتأثير تداعيات العصرنة الصاخبة، بجوانبها السلبية .