اليوم انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة مؤثرة تجمع بين السيدة النائب رحيمه الحسن، وهي تلتقي بالحاجة بيشه حسن الملوح من جنوب الموصل، تلك المرأة التي حملت لقبًا لا يُمنح إلا للقلائل: أم الشهداء، إذ قدّمت ستة من أبنائها قربانًا للوطن، ورحلت إلى جوار ربها هذا اليوم.
أمام هذه الصورة وَقفت طويلًا، وأدركت أن الكلمات مهما امتدت فلن تستطيع أن تحيط بعظمتها. كيف لقلم أن يصف أمًّا نذرت فلذات كبدها الواحد تلو الآخر حتى أصبحت مثالًا حيًا للتضحية والفداء؟ وكيف للسطور أن تجسّد إنسانة حملت على عاتقها هموم الناس وفتحت أبوابها لهم، مثلما تفعل اليوم النائب رحيمه الحسن، التي يعرفها أهل الموصل بلقب “أم الفقراء”؟
الراحلة بيشه حسن الملوح ليست مجرد أم فقدت أبناءها، بل هي صفحة من صفحات تاريخ العراق المعاصر. هي امتداد لذاكرتنا الوطنية التي تحتفظ بصور أمهات قدمن ابناءهن ورجالهن شهداء عبر الحقب المختلفة؛ من ثورة العشرين، مرورًا بالحروب والصراعات، وصولًا إلى معارك تحرير المدن من براثن الإرهاب.
كانت الحاجة بيشه رمزًا لصبر المرأة العراقية التي تعرف كيف تحتمل قسوة القدر، وترى في استشهاد أبنائها شرفًا ووسامًا على صدرها. لم تهزمها الفجيعة، ولم تكسرها المأساة، بل حملت الحزن كوسام مجيد، لتثبت أن الوطن لا يُبنى إلا بالتضحيات الكبرى.
أما السيدة النائب رحيمه الحسن، فهي نموذج آخر للمرأة العراقية المعاصرة، التي اختارت أن تسلك طريق الإنسانية قبل طريق السياسة. مكاتبها مفتوحة أمام الفقراء والمحتاجين، لا تسأل عن لقب أو عنوان، بل ترى في كل مواطن قضية يجب الدفاع عنها.
من بغداد إلى الموصل، ومن الدوائر الرسمية إلى أحياء البسطاء، حملت طلباتهم، وسعت بينهم، لتؤكد أن المسؤول الحقيقي ليس من يتربع على كرسي السلطة، بل من يجعل من موقعه وسيلة لخدمة الناس.
ليس جديدًا على المرأة العراقية أن تتحمل هذا الدور المزدوج؛ فهي التي وقفت خلف الثوار في ثورة العشرين، وهي التي أرسلت أبناءها إلى ساحات القتال، وهي التي صبرت على مرارة الحصار والتهجير والحروب.
لكن اجتماع الصورتين في هذه اللحظة التاريخية ــ أم الشهداء وامرأة الإنسانية ــ يكشف لنا أن مسيرة المرأة العراقية لم تتوقف عند التضحية فقط، بل امتدت لتشمل العطاء الإنساني والرحمة. إنهما وجهان مشرقان لعملة واحدة: عملة الوطن الذي لا ينهض إلا بدماء الشهداء ودموع الأمهات وأيادي الخيّرين.
ما أعظمك يا عراق، وفيك أمهات قدّمن أبناءهن فداءً للحرية.
وما أعظمك، وفيك نساء يتحركن بين الناس كنسائم رحمة، يخففن الهموم ويزرعن الأمل.
إن صورة اليوم لم تكن صورة عابرة، بل كانت ملحمة جديدة تضاف إلى سجل العراق المليء بالتضحيات. إنها صورة تقول لنا:
إن العراق سيبقى بخير، ما دامت فيه نساء يكتبن التاريخ بصبرهن وعطائهن وإنسانيتهن….