23 ديسمبر، 2024 1:18 م

في يوم 14 حزيران كان العراق بحاجة لمن يبعث الروح به وبأبنائه بعد إنتكاسة العاشر من حزيران حين اجتاحت فيالق الظلام الداعشية محافظة نينوى والمدن والمحافظات القريبة منها وأصبحت الدولة العراقية قاب قوسين أو أدنى من الضياع والدخول في المجهول فكان تصدي المرجع الأعلى الإمام السيستاني لهذه المهمة النبيلة والتاريخية في واحدة من الوقفات التي سيسجلها تاريخ العراق الحديث بحروف من ذهب حين أعلن فتوى جهاد الواجب الكفائي ليوقف حالة التداعي والإنكسار ويبعث الروح الحقيقية في جسد الوطن والمواطن العراقي وكشف عن المعدن الأصيل لهذا الشعب الذي لم تتوفر له فرصة إظهار ما خفي من شخصيته تحت ضغط مئات وعقود من سنين الظلم والإستبداد والعبودية بعد أن أراد له المرجفون والخونة والمتخاذلون أن تتلاشى هذه الروح وإلى الأبد فتنادى الخيّرون في الحشد الشعبي وسرايا الدفاع الشعبي من أبناء العراق الغيارى في حزب الله وومنظمة بدر وعصائب أهل الحق وسرايا السلام ومن أنضم معهم ملبين نداء الواجب والوطن .

وفي 31 آب بعد أن أخذ اليأس والقنوط مأخذه من العراقيين تبارى أولئك الأبناء البررة في تلك الألوية مع أبناء القوات المسلحة لتحقيق واحدة من ألمع الإنتصارات الكبيرة التي أثلجت قلوب العراقيين بتحرير ناحية آمرلي المحاصرة منذ أكثر من شهرين إنتصاراً كان بطعم الثأر لضحايا مجزرة قاعدة سبايكر حين أسقطوا بعزيمتهم وأرواحهم المضحية وبسالة شجاعتهم إسطورة داعش الهمجية وأثبتوا من جديد ان الثوار والشرفاء والعقائديون هم وحدهم من سيشق الطريق إلى العراق الجديد عراق الحرية والكرامة وليس عراق السلطة والمناصب واقتسام الثروات عراق السيادة وليس عراق الطوائف .

إن آمرلي هذه البلدة الصغيرة التي تقع في شمال العراق على مسافة 160 كيلومتر عن بغداد في محافظة صلاح الدين والتابعة إدارياً لقضاء طوز خرماتو والتي ظلت محاصرة لأكثر من 80 يوماً حيث حذرت الأمم المتحدة في بيان لها بإنها ستتعرض لعلميات إنتقامية ومذابح كبيرة في حال دخول المجاميع المسلحة التكفيرية لها ستظل هذه البلدة أسطورة عراقية بالصمود وملحمة من ملاحم التضحية والصبر العراقي لأناس لم يكن معهم غير إرادتهم وإيمانهم بالله وبأنفسهم .

فعلى مدى 84 من عمر الحصار الذي قامت به مجاميع داعش التكفيرية ومع كل ما تعرضت له هذه البلدة المحاصرة من نقص في المواد الغذائية والطبية وصل حد نفاد كل ماتملك من مصادر الغذاء والدواء وقطع المياه عنها حتى اظطر أهلها إلى حفر الآبار لتعويض نقص المياه ورغم تلوث هذه المياه بالكبريتات والبوتاسيوم فإن أهالي آمرلي اظطروا إلى تجرعه بسبب العطش وتسبب ذلك لهم في أمراض خطيرة ومعدية ورغم قلة السلاح والعتاد واستحالة وصول القوات المسلحة لهم والمساعدات العسكرية بسبب الوضع الذي كانوا فيه إلا ان إرادتهم واستبسالهم هما من صنع المعجزة لم ييأسوا ويستسلموا كما فعل غيرهم ولم يقدموا رقابهم ذليلة لمقصلة همج العصر داعش بل قاتلوا بكل ماتوفر لهم من سلاح وعزيمة في

الصمود لم تمكن داعش من فتح أي ثغرة في جدار صمود شعب آمرلي ودفاعاتهم وكانت النساء تحمل السلاح إلى جانب الرجال وكان الأطفال إلى جانب ابائهم وأمهاتهم يحملون البنادق وهم يدافعون عن بلدتهم وعقيدتهم ودينهم وشرفهم لقد أفشلت آمرلي الصغيرة بمساحتها والكبيرة بأهلها كل مشاريع التمزيق والتدمير والتخاذل التي أرادها لها الخونة من السياسيين والتكفيرين وما كان ينتظرها من استباحة وقتل وانتهاك للإعراض كما تعود عليها مغول العصر داعش في عمليات استباحتهم للمدن والبلدات العراقية لبث الرعب في قلوب الناس وإفشال أي محاولة شريفة للمقاومة .

إن صمود أهل آمرلي يجب أن يدرس لأجيالنا وأبنائنا ليعرفوا مكامن الضعف والقوة في الشخصية العراقية وكذلك ليتعلموا معنى البطولة والدفاع عن الأرض والعرض فآمرلي أثبتت للعراقيين والعرب والعالم بما لايقبل الشك أن من يريد أن يدافع عن أرضه لن يحتاج إلا مزيداً من الثبات والصبر والعزيمة مهما كانت القوة المهاجمة ومهما كانت بربريتها وهمجيتها ومهما كان نوع السلاح الذي بيدها ولو أن أهلنا بالموصل اتخذوا نفس الموقف الذي اتخذه أهل آمرلي لما وقعوا لقمة سائغة بيد داعش والإرهابيين لكن شتان بين آمرلي والموصل شتان بين أهلنا المحاصرين في آمرلي لما يقارب الثلاثة أشهر والذين استعملت ضدهم كل عمليات التدمير والتهجير والرعب لكنهم أبوا إلا ان يقاتلوا ويصمدوا وينتصروا وبين أهلنا في الموصل الذين تآمر منهم تآمر على مسمع ومرآى من العالم ليسلموا مدينتهم وأعراضهم للغرباء .

نعم الدرس المهم في صمود آمرلي وانتصارها أن نسائها هبوا لحمل السلاح للدفاع عن مدينتهم وأبنائهم ومستقبلهم وتاريخهم وأعراضهم أما في الموصل فإن أشباه الرجال تخاذلوا طائعين أذلاء يقدمون نسائهم وأعراضهم لتستباح تحت مسمى جهاد المناكحة ممتنين للغرباء من شيشانيين وباكستانيين وأفغان ويمنيين وسعوديين وارتيريين وصوماليين وجزائريين وتونسيين وقوقازيين ومن كل بقاع الأرض ممتنين منهم أنهم أنقذوهم من أخوتهم في الدم والتاريخ واللغة والعروبة أبناء القوات المسلحة ( الجيش الصفوي ) كما يحلوا لهم أن يسموه هذا هو الفرق بين آمرلي والموصل الفرق بين الشجاعة والجبن بين الإباء والخسة بين الشهامة والنذالة بين الوطنية والعمالة بين الإنتماء للوطن وبين الإرتماء في أحضان القتلة والمجرمين الغرباء .

فلتكن آمرلي درساً للعراقيين كي يتعلموا ويعلموا أبنائهم وبناتهم المعنى الحقيقي للصمود والصبر والثبات على الموقف والقيمة الحقيقية للإيمان بحتمية الإنتصار مهما كانت الظروف ومهما كان حجم القوة التي تريد بهم السوء .