18 ديسمبر، 2024 5:56 م

بين آلاف المفكرين والكتاب في حقول العلوم الإنسانية

بين آلاف المفكرين والكتاب في حقول العلوم الإنسانية

اليوم الأول من رمضان هو ذكرى ميلاده. من بين آلاف المفكرين والكتاب في حقول العلوم الإنسانية كافة، يبرز اسمه باعتباره أبا علم الاجتماع البشري، وأول من خط بقلمه قواعد علمية تحكم سير تاريخ الأمم والدول.هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون. تونسي المولد أندلسي الأصل وينتهي نسبه إلى الصحابي وائل بن حجر، حكمت أسرته مدينة أشبيلية بعض الوقت، وعاشوا فيها حتى بدأت المدن تتساقط في يد الممالك المسيحية في انتقلوا إلى تونس. تتلمذ على يد والده، ثم تعلم العلوم الشرعية، والفلسفة، والمنطق، والرياضيات، على يد كبار العصر من علماء الأندلس حتى جاء الطاعون ومات والداه مع ثلث السكان، فقرر الهجرة إلى المغرب والبحث عمن بقي من أساتذته، حتى صرفه أخوه عن مسار العلم ليسلك مسار السياسة».اشتغل جده بالسياسة وكان قريبًا من دوائر الحكم في تونس وهو ما ترك أثرًا في حياة ابن خلدون، وفي وقت شهد تقلبات سياسية في ممالك المغرب وشمال أفريقيا قرر ابن خلدون أن يدخل في دوائر الحكم وكان شعاره «الغاية تبرر الوسيلة».عرف عنه رجاحة عقله وبلاغته، فكان على رأس وفد صلح السلطان ابن الأحمر ملك غرناطة مع ملك قشتالة. واستغل مهاراته فتقلب بين بلاط السلاطين وقصور الأمراء بحثًا عن النفوذ السياسي، وانتقل بين الخصوم فكان مصيره السجن والنفي.بعد سنين متقلبة زهد في السياسة وانتقل إلى مصر، وهناك ولاه السلطان الظاهر برقوق قضاء المالكية، وهو المنصب الذي يطمح فيه كثيرون، فواجه سجالات وخصومًا مختلفين، فيكفي ذكر أنه قد تولى هذا المنصب وعزل عنه أربع مرات في خمس سنين.

بعد مغامرة سياسية أخيرة قابل فيها تيمور لنك حين دخل الشام، عاد إلى مصر وعاش بالقاهرة ربع قرن حتى تُوُفِّيَ عام 1406 عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا دُفِنَ قرب باب النصر بشمال القاهرة تاركًا تراثًا عظيمًا، واسمًا يعد علمًا حول العالم أجمع.يعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث كما يعتبر أبًا الاقتصاد، فيحسب له أنه أول من استخدم لفظ الدولة بصفته تعبيرًا سياسيًّا في الوقت الذي لم يكن له أي مدلول سياسي في الغرب، وقدم تفسيرًا لأسباب قيام الممالك والحضارات وانهيارها.كذلك يعتبره البعض الأب الحقيقي لعلم الاقتصاد، فبينما لم يُكتشف اختراع تحليل العرض والطلب حتى القرن الـ19، إلَّا أن ابن خلدون وصف العلاقة بين العرض والطلب، وأيضًا أخذ في الحسبان دور قوائم الجرد وتجارة البضائع. ليسبق آدم سميث وكتاب الاقتصاد الكلاسيكي بخمسة قرون.

كتبه:-

– كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.

– شفاء السائل لتهذيب المسائل.

– مقدمة ابن خلدون

– التعريف بابن خلدون ورحلاته شرقًا وغربًا (مذكراته).

العصبية والسلطة في العمران الحضري

انطلاقا من نظريته السابقة المتعلقة بدور العصبية في الوصول إلى الرئاسة في المجتمع البدوي، واصل ابن خلدون تحليله على نفس النسق فيما يتعلق بالسلطة في المجتمع الحضري مبينا أن العصبية الخاصة بعد استيلائها على الرئاسة تطمح إلى ما هو أكثر، أي إلى فرض سيادتها على قبائل أخرى بالقوة، وعن طريق الحروب والتغلب للوصول إلى مرحلة الملك (. وهذا التغلب هو الملك، وهو أمر زائد على الرئاسة. فهو التغلب والحكم بالقهر، وصاح بالعصبية إذا بلغ رتبة طلب ما فوقها). معتمدا في تحقيق ذلك أساسا وبالدرجة الأولى على العصبية حيث أن (الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك). فهذه اذن المرحلة الأولى في تأسيس الملك أو الدولة، وهي مرحلة لا تتم إلا من خلال العصبية.

بالوصول إلى تلك المرحلة يبدأ (العمران الحضري) شيئا فشيئا وتصبح السلطة الجديدة تفكر في تدعيم وضعها آخذة بعين الاعتبار جميع العصبيات التابعة لها، وبذلك فانها لم تعد تعتمد على عامل النسب بل على عوامل اجتماعية وأخلاقية جديدة، يسميها ابن خلدون (الخلال). هنا تدخل الدولة في صراع مع عصبيتها، لأن وجودها أصبح يتنافي عمليا مع وجود تلك العصبية التي كانت في بداية الأمر سببا في قيامها، (يتراءى لنا مبدأ نفي النفي في المادية الجدلية<إضافة رابط المادية الجدلية ان وجد>). ومع نشوء يتخطى الملك عصبيته الخاصة، ويعتمد على مختلف العصبيات. وبذلك تتوسع قاعدة الملك ويصبح الحاكم أغنى وأقوى من ذي قبل، بفضل توسع قاعدة الضرائب من ناحية، والأموال التي التي تدرها الصناعات الحرفية التي التي تنتعش وتزدهر في مرحلة (العمران الحضري) من ناحية أخرى.

لتدعيم ملكه يلجأ إلى تعويض القوة العسكرية التي كانت تقدمها له العصبية الخاصة أو العامة(القبيلة) بإنشاء جيش من خارج عصبيته، وحتى من عناصر أجنبية عن قومه، وإلى اغراق رؤساء قبائل البادية بالأموال، وبمنح الإقطاعات كتعويض عن الامتيازات السياسية التي فقدوها. وهكذا تبلغ الدولة الجديدة قمة مجدها في تلك المرحلة، ثم تأخذ في الانحدار حيث أن المال يبدأ في النفاذ شيئا فشيئا بسبب كثرة الإنفاق على ملذات الحياة والترف والدعة. وعلى الجيوش ومختلف الموظفين الذين يعتمد عليهم الحكم. فيزيد في فرض الضرائب بشكل مجحف، الشئ الذي يؤدي إلى إضعاف المنتجين، فتتراجع الزراعة وتنقص حركة التجارة، وتقل الصناعات، وتزداد النقمة وبذلك يكون الحكم قد دخل مرحلة بداية النهاية، أي مرحلة الهرم التي ستنتهي حتما بزواله وقيام ملك جديد يمر بنفس الأطوار السابقة اغلتي يجملها ابن خلدون في خمسة أطوار. (. وحالات الدولة وأطوارها لا تعدو في الغالب خمسة أطوار.

§ الطور الأول طور الظفر بالبغية، وغلب المدافع والممانع، والاستيلاء على الملك وانتزاعه من أيدي الدولة السالفة قبلها.فيكون صاحب الدولة في هذا الطور أسوة بقومه في اكتساب المجد وجباية المال والمدافعة عن الحوزة والحماية لا ينفرد دونهم بشيء لأن ذلك هو مقتضى العصبية التي وقع بها الغلب، وهي لم تزل بعد بحالها.

الطور الثاني طور الاستبداد على قومه والانفراد دونهم بالملك وكبحهم عن التطاول للمساهمة والمشاركة.ويكون صاحب الدولة في هذا الطور معنيا باصطناع الرجال واتخاذ الموالي والصنائع والاستكثار من ذلك، لجدع أنوف أهل عصبيته وعشيرته المقاسمين له في نسبه، الضاربين في الملك بمثل سهمه.فهو يدافعهم عن الأمر ويصدهم عن موارده ويردهم على أعقابهم أن بخلصوا إليه حتى يقر الأمر في نصابه

الطور الثالث طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طباع البشر إليه من تحصيل المال وتخليد الآثار وبعد الصيت، فسيتفرغ وسعه في الجباية وضبط الدخل والخرج، وإحصاء النفقات والقصد فيها، وتشييد المباني الحافلة والمصانع العظيمة، والامصار المتسعة، والهياكل المرتفعة، وإجازة الوفود من أشرف الأمم ووجوه القبائل وبث المعروف في أهله. هذا مع التوسعة على صنائعه وحاشيته في أحوالهم بالمال والجاه، واعتراض جنوده وادرار ارزاقهم وانصافهم في اعطياتهم لكل هلال، حتى يظهر أثر ذلك عليهم ذلك في ملابسهم وشكتهم وشاراتهم يوم الزينة.وهذا الطور آخر أطوار الاستبداد

الطور الرابع طور القنوع والمسالمة ويكون صاحب الدولة في هذا قانعا بما أولوه سلما لأنظاره من الملوك واقتاله مقلدا للماضين من سلفه. ويرى أن الخروج عن تقليده فساد أمره وأنهم أبصر بما بنوا من مجده.

الطور الخامس طور الإسراف والتبذير ويكون صاحب الدولة في هذا الطور متلفا لما جمع أولوه في سبيل الشهوات والملاذ والكرم على بطانته وفي مجالسه، واصطناع أخدان السوء وخضراء الدمن، وتقليدهم عظيمات الأمور التي لا يستقلون بحملها، ولايعرفون ما يأتون ويذرون منها، مستفسدا لكبار الأولياء من قومه وصنائع سلفه، حتى يضطغنوا عليه ويتخاذلوا عن نصرته، مضيعا من جنده بما أنفق من أعطياتهم في شهواتهم. وفي هذا الطور تحصل في الدولة طبيعة الهرم، ويستولي عليها المرض المزمن الذي لا تكاد تخلص منه.أي أن تنقرض).(المقدمة) واذن فان تحليل ابن خلدون بولادة ونمو وهرم الدولة هو ذو أهمية بالغة، لأنه ينطلق من دراسة الحركة الداخلية للدولة المتمثلة في العصبية، تلك المقولة الاجتماعية والسياسية التي تعتبر محور كل المقولات والمفاهيم الخلدونية. فقد اعتمد عليها اعتمادا أساسيا في دراسته الجدلية لتطور المجتمعات الإنسانية(العمران البشري) وكأنه يبشر منذ القرن الرابع عشر بما اصطلح على تسميته في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ب (المادية الجدلية). وفي غمرة انطلاقت العلمية الرائعة الرائدة وضع إصبعة على العصب الحساس والرئيسي، وان لم يكن الوحيد في تطور (العمران البشري) ألآ وهو الاقتصاد

 

ان النتيجة التي توصل إليها ابن خلدون في الفصل الثاني من مقدمته عند بحثه للعمران البدوي وهي:(ان اختلاف الأجيال في أحوالهم انما هو باختلاف نحلهم من المعاش)

قادته بالضرورة إلى دراسة عدة مقولات اقتصادية تعتبر حجر الزاوية في علم الاقتصاد الحديث، مثل دراسة الأساليب الإنتاجية التي تعاقبت على المجتمعات البشرية، وانتقال هذه الأخيرة من البداوة إلى الحضارة، أي من الزراعة إلى الصناعة والتجارة:(.وأما الفلاحة والصناعة والتجارة فهي وجوه طبيعية للمعاش.أما الفلاحة فهي متقدمة عليها كلها بالذات.وأما الصناعة فهي ثانيها ومتأخرة عنها لأنها مركبة وعلمية تصرف فيها الأفكارو الأنظار، ولهذا لا توجد غالبا إلا في أهل الحضر الذي هو متأخر عن البدو وثان عنه).

يركز ابن خلدون على الصناعة جاعلا منها السبب الأساسي في الازدهار الحضاري:(ان الصنائع انما تكتمل بكمال العمران الحضري وكثرته. ان رسوخ الصنائع في الأمصار انما هو برسوخ الحضارة وطول أمدها). كما تناول مقولة تقسيم العمل بالتأكيد على أن(النوع الإنساني لا يتم وجوده الا بالتعاون)، لعجز الإنسان عن تلبية جميع حاجاته مهما كانت قدرته بمفرده، حيث أن (الصنائع في النوع الإنساني كثيرة بكثرة الأعمال المتداولة في العمران. فهي بحيث تشذ عن الحصر ولا يأخذها العد.(مثل) الفلاحة والبناء والخياطة والنجارة والحياكة والتوليد والوراقة والطب.) أما القيمة فهي في نظره (قيمة الأعمال البشرية):فأعلم أن ما يفيد الإنسان ويقتنيه من المتمولات ان كان من الصنائع فالمفاد المقتنى منه قيمة عمله.إذ ليس هناك الا العمل، مثل النجارة والحياكة معهما الخشب والغزل، إلا أن العمل فيهما أكثر فقيمته أكثر، وان كان من غير الصنائع فلا بد في قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي حصلت به، إذ لولا العمل لم تحصل قيمتها.فقد تبين أن المفادات والمكتسبات كلها انما هي قيم الأعمال الإنسانية). ولم يغفل أيضا عن مقولة (القيمة الزائدة) وان لم يعالجها بشكل معمق عند تعرضه لصاحب الجاه:(وجميع ما شأنه ان تبذل فيه الاعواض من العمل يستعمل فيه الناس من غير عوض فتتوفر قيم تلك الأعمال عليه، فهو بين قيم للأعمال يكتسبها، وقيم أخرى تدعوه الضرورة إلى إخراجها، فتتوفر عليها، والأعمال لصاحب الجاه كبيرة، فتفيد الغني لأقرب وقت، ويزداد مع مرور الأيام يسارا وثروة). من كل ما تقدم نستطيع المجازفة والقول إن أعمال ابن خلدون وبالذات

ويرفض ابن خلدون تدخل الدولة المباشر في الإنتاج والتجارة لما يترتب عليه من أضرار اقتصادية. فهو يرى أن حاجة الدولة لتغطية نفقاتها المتزايدة تدفعها نحو هذا التدخل ولكن النتيجة حينئذ تكون بعكس القصد. يكتب ابن خلدون “اعلم أن الدولة إذا ضاقت جبايتها بما قدمناه من الترف وكثرة العوائد والنفقات وقصر الحاصل من جبايتها على الوفاء بحاجاتها ونفقاتها، واحتاجت إلى مزيد المال والجباية، فتارة توضع المكوس على بياعات الرعايا وأسواقهم كما قدمنا وتارة بالزيادة في ألقاب (معدلات؛ أسعار) المكوس إن كان قد استحدث من قبل، وتارة بمقاسمة العمال والجباة وامتكاك (امتصاص) عظامهم، لما يرون أنهم قد حصلوا على شئ طائل من أموال الجباية لا يظهره الحسبان (المحاسبون)، وتارة باستحداث التجارة والفلاحة للسلطان على تسمية الجباية (باسم الجباية)، لما يرون التجار والفلاحين يحصلون على الفوائد والغلات مع يسارة أموالهم، وأن الأرباح تكون على نسبة رؤوس الأموال. فيأخذون في اكتساب الحيوان والنبات لاستغلاله في شراء البضائع والتعرض بها لحوالة الأسواق، ويحسبون ذلك من إدرار الجباية وتكثير الفوائد. غلط عظيم وإدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعددة”. مما تقدم يبين لنا أن مقدمة ابن خلدون تعتبر أول موسوعة في العلوم الإنسانية، بل هي باكورة العمل الموسوعي العام قبل ظهور عصر الموسوعات بحوالي خمسة قرون

الفكر التربوي عند ابن خلدون

له مساهمة فعالة في علم التربية والذي لم يكن معروفا كعلم أكاديمي مستقل مثل اليوم، وقد عملت دراسات كثيرة حول فكرة التربوي، ويمكن إجمال أفكاره التربوية في التالي:

أن العلم ينقسم إلى علمين علم نقلي وعلم عقلي.

التدرج في التعليم.البدء بالمحسوسات والتدرج حتى الملموسات.يكون تعليم الصبي بداية بعض سور القرآن الكريم وبعض الأشعار حتى تقوى ملكة الحفظ.