إذ كانت التصورات العربية أنّ انطلاق الهجوم المصري – السوري في السادس من تشرين – اكتوبر لعام 1973 سيكون نصراً قومياً زاهياً للعرب , ولم يكن السوريون على دراية أنّ القيادة المصرية هندست لخطة الهجوم لعبور القناة والتقدم في سيناء الى مسافة اوعمق 15 كم فقط .! كيما تغدو هذه المساحة مغطّاة بما أسموه بحائط الصواريخ ضد المقاتلات الأسرائيلية المهاجمة , كما نجحوا فعلياً بإبتكار واختراع شبكة متداخلة من الأسلاك الشائكة , توضع أمام مرابض المدفعية والأسلحة الأخريات , لكي تعلق او تتعلّق فيها زعانف اي صاروخ ” ارض – ارض او قذيفة اسرائيلية , وكان انزال قوات الصاعقة المصرية بالطائرات المروحية خلف حاجز بارليف , قد جعلته ساقطاً من قبل ان يسقط .!
دونما استرسالٍ في التفاصيل المكررة والمنمّقة , فقد كانت الأيام الأولى للحرب تمثّل نشوة الزهو للرأي العام العربي , لكنها ما لبثت أن تحوّلت الى خليطٍ غير متجانسٍ من معاني ” هزيمة او انتكاسة او اخفاق عسكري ستراتيجي ” حينما اخترقت واجتازت القوات الأسرائيلية ثغرة الدفرسوار المعروفة , حيث عبرت الى الضفة الغربية للقناة وقامت بعملية التفافٍ حاصرت فيها الجيش المصري الثالث شرق القناة وتحكّمت بمصيره , حيث حينها افرزت مفاوضات اطلاق النار التي قادها كسينجر الى تبرّع الصهاينة بتوزيع مياه الشرب على فرق والوية الجيش الثالث المحاصر , وسمحتْ لمصر بإيصال غذاء الوجبات الثلاث لهم عبر الشاحنات المصرية , على ان تتوقف في منتصف الطريق , ويجري تحويل الغذاء الى شاحناتٍ عسكريةٍ اسرائيلية , بغية ايصالها للقوات المحاصرة < ومن المجهول المحسوب الى الطلاسم .! كم صادر الأسرائيليون من كميات الغذاء , وسواءً تناولوها او رموها ارضاً .! , وكان الأسوأ من السوء موافقة الرئيس السادات السريعة والفورية على ما طرحه كيسنجر < في مفاوضات وقف اطلاق النار > بالإبقاء على 30 دبابة مصرية فقط من القوات التي عبرت القناة ” والتي كانت اعدادها 500 دبابة ونيف ,وحينها بكى الفريق عبد الغني الجمسي ” قائد العمليات ” على هذه المهانة وسحب كل القوات اتي عبرت القناة الى غرب الضفة الغربية للقناة ! , وكانت تلك هي الملامح الواقعية للنصر المزعوم في السادس من اكتوبر لتلك السنة , كما صارالأمر موصولاً بصيغةٍ اخرى للقوات السورية التي انسحبت انسحاباً مخيّباً للآمال المفترضة بعد تقدّم سريع كاد ان يصل الى بحيرة طبرية .!
في أبعاد حرب 6 تشرين – اكتوبر لعام 1973 , لمْ يَدُر في خُلد خيال الأدب العربي ولا في خيال كبار وصغار شعرائه وأدبائه , أن تفرز تلك الحرب بعد بضعة سنواتٍ قلائلٍ الى تبادل العناق والقُبلات بين مناحيم بيغن والسادات بعد زيارته المفاجئة والمباغتة لإسرائيل ومنْ ثمّ ترجمتها العملية لثيمة توقيع اتفاقية كامب ديفيد .!
بعد هذه الإطالة المكروهة التي كان لابدّ من نشرِ شرّها الشرير , فيوم السابع من اكتوبر للسنة الماضية الذي يُطلق عليه بطوفان الأقصى , والذي جعل المسامات العربية تتفتّح كأنّها تفتّح الأزهار .! ومع النشوة العربية المستفيضة لإنطلاق موجات وباقات الصواريخ الفلسطينية من غزّة تحديداً , في معظم اجزاء الجسد الأسرائيلي غير الفاتنة .! , وبعد مرورِ عامٍ على السابع من اكتوبر هذا ” والذي قادَ ممّا قادْ الى احتلال اسرائيليٍ مطلق الى عموم مدن قطاع غزة , واستثناءٍ وعجز على اعتقال او اغتيال قادة حماس والسيد السنوار داخل شبكة الأنفاق الملتوية ” والتي لم يعد بمقدورهم الخروج منها ” .! ومع انخفاضٍ شبه حادٍّ او اكثر لمخزون الصواريخ لديهم , وربما الى كميات الغذاء والمستلزمات الحياتية الأخرى والصعبة , وما نتجَ عن ذلك ” مما غير محسوبٍ ولا محتسب ” من تقتيل آلافٍ من العوائل الفلسطينية بأطفالها ونسائها , مع الحرمان الممنهج للغذاء والمياه للذين بقوا احياءً الى حدّ الآن .! , لكنّما الرقم الأصعب والأخطر أن يتحوّل النصر التكتيكي للسابع من اكتوبر , الى تراجيديا دمويّة لم ” تسبقها سابقة تأريخياً ” في ربوع واروقة لبنان والتي مستمرة الى غاية الآن بما تدكّها قنابل اليهود دكّاً … فالى اين المسار .!؟ في هذا المضمار – المسمار العربي قبل الصهيوني .!
اولى الإشارات والمؤشرات المرشّحة ميدانياً وفعلياً , فإنها تتمحور وتشيرالى مزيد مفترض من قتلى وجرحى هذا الوطن الجريح < من غير المحسوبين على حزب الله > وبخناجرٍ وسكاكينٍ عربيةٍ مطليّةٍ بالذهب .!!
وهنا , لسنا معَ او بالضّد من السادس او السابع من تشرين اكتوبر في كلتا السنتين المتباعدتين , لكنما دعوةٌ مفتوحة للقارئ العربي وللجمهور العربي للتأمّل , في هذا الوقت الضائع .!