23 ديسمبر، 2024 5:31 ص

بيلينسكي جديد ؟ يا حبذا لو…

بيلينسكي جديد ؟ يا حبذا لو…

هذا عنوان لمقالة ظهرت في صحيفة ( ليتيراتورنايا راسيّا ) الادبية الروسية الاسبوعية , الصادرة بتاريخ 2 – 8 آب / اغسطس 2019. شغلت المقالة صفحة كاملة من ذلك العدد من الصحيفة , و من الطريف ان نشير هنا , الى ان بداية المقالة ( والبداية هذه جزء مهم كمدخل للمقالة ) ظهر على الصفحة الاولى من الجريدة وتحت مانشيت عريض وواضح وكبير , مما يدلّ طبعا على الاهمية التي أولتها هيئة تحرير الصحبفة لهذه المقالة . كان عنوان المقالة مثيرا جدا بالنسبة لي , اذ انه يوحي وكأنما هناك ناقد جديد بمستوى بيلينسكي يلوح في افق روسيا , مما جعلني أبدأ رأسا بقراءة تلك المقالة , وان أستمر بذلك الى نهايتها . بعد الانتهاء من قراءة تلك المقالة الدسمة , قررت ان (ادردش!) مع القارئ العربي حولها , و ( الدردشة ) طبعا تختلف عن العرض العام للمقالة او التحليل المعمّق لافكارها او مناقشة خلاصاتها , اذ ان هذه المقالة غنية وزاخرة جدا بمضامينها المتشعبة , فهي تتحدث عن بيلينسكي ناقدا أدبيا في اطار تفاصيل صغيرة ومنمنمات منتقاة بمهارة فائقة من مقالاته النقدية العديدة , و تتحدث عن مفهوم النقد الادبي بشكل عام وموقعه في مسيرة تاريخ الادب , و تتحدث عن نظرية الادب ومصادرها الاساسية باللغة الروسية منذ اواسط القرن العشرين ولحد الآن , وتتحدث ايضا ( وهذا هو الجانب الاهم فيها ) عن جائزة خاصة بالنقد الادبي , و التي تم استحداثها في روسيا الاتحادية , ويرتبط اسمها بالناقد الادبي الكبير فيساريون بيلينسكي . وباختصار , فان هذه المقالة – من وجهة نظرنا – تستحق الترجمة الكاملة الى العربية فعلا, اذ انها ترسم صورة فنيّة متكاملة الابعاد لواقع النقد الادبي ومكانته في الادب الروسي المعاصر وآفاقه المستقبلية لاحقا , وبالتالي , فانه من غير الممكن عرض المقالة بايجاز او تحليل افكارها ومناقشتها بشكل مختصر, ولهذا فاني سوف ( ادردش ) قليلا حولها مع القارئ العربي ليس الا , واتمنى ان استطيع (عبر هذه الدردشة البسيطة ) ان انقل للقارئ هذا بعض ما جاء فبها من نقاط مهمة فقط .
اتوقف عند الجملة الاولى في تلك المقالة . يقول ألكساندر كوريلوف , كاتب المقالة , في تلك الجملة ما يأتي – ( مع فيساريون المحتدم , استلم فريق من شغيلة القلم , الذين يعتبرون انفسهم نقٌادا , جائزة خاصة بهم أخيرا – وهي شهادة , وفي نفس الوقت رمز للاعتراف الادبي – الاجتماعي .) . لقد اربكتني هذه الجملة ( ان صحّ التعبير ) , فانا اعرف ان اسم بيلينسكي هو فيساريون , ولكني لم افهم لماذا اقتصروا على اسمه فقط دون لقبه المشهور , وهي ظاهرة غريبة ونادرة جدا بالروسية , ثم اربكتني ايضا صفة ( المحتدم ) هذه والتي ألحقوها باسمه هكذا , اذ ان هذه الصفة تمتلك بالروسية معان متعددة قريبة من بعضها البعض ( وكما يشير القاموس الروسي – العربي الكبير ), مثل – الحانق / العنيف / الهائج / الغاضب …الخ . عندما انهيت قراءة المقالة فهمت طبعا , ان جائزة النقد الادبي في روسيا الاتحادية أطلقوا عليها تسمية مبتكرة جدا , وطريفة جدا , وجديدة جدا , تسمية ترتبط باسم ابرز نقّاد الادب الروسي في تاريخه , ولكن بصيغة غير مطروقة سابقا , و التسمية هي – (جائزة فيساريون المحتدم ) , اي انها جائزة بيلينسكي , ولكنهم أرادوا بهذه التسمية ان يؤكدوا على ان هذه الجائزة ترتبط بصفات ذلك الناقد الادبي الحاد الطبع والغاضب والعنيف وغير المتهادن والصريح والمباشر وغير المتردد ابدا في عرض افكاره النقدية حول قضايا الادب بغض النظر عن اسم الاديب او مكانته في معترك الادب والفكر والمجتمع, وهي صفات امتاز بها بيلينسكي فعلا بمسيرته الشجاعة ونشاطه الكبير في مجال النقد الادبي , ولهذا كان بيلينسكي محبوبا من قبل البعض ومذموما من قبل البعض الآخر , وفي نفس المستوى ذاك من الحب والاحترام ومن البغض والذم عند الطرفين في المجتمع الروسي آنذاك , وقد استمرت هذه العلاقة ( المزدوجة) تجاهه الى حد الآن , وهي ظاهرة تستحق التأمّل العميق فعلا .
يشير كوريلوف في مقالته , ان بيلينسكي كتب مرّة يقول – ( .. عندنا , كل مقالة تتناول اي مادة أدبية يسمونها نقدا ..) , وانه مرّت أكثر من قرنين على كلام بيلينسكي (البسيط والعميق في آن) ولم يتبدل الوضع , اذ كل من ينشر كلمة تقريظ يسمي نفسه ناقدا ادبيا ولحد الآن . أما من وجهة نظر بيلينسكي , فان ذلك ليس هو ( النقد الادبي ) , وانما ( …هو الرأي الذاتي حسب الانطباع الشخصي ..) , وما أشبه ما يجري في بلاد بيلينسكي بما يجري في بلاد علي جواد الطاهر , ولكن الفرق بينهما , ان بلاد بيلينسكي أطلقت جائزة النقد الادبي باسمه , فمتى تطلق بلاد علي جواد الطاهر جائزة النقد الادبي باسمه ياترى ؟ وهل ستطلقها أصلا ؟ …