الطبيعي أن تعرض بيتك للبيع، وتضع لافتة عليه، لكن أن تضع مايخالفها، فهذا من غريب واقعنا العراقي في عصر القوة، والمراكز المتنفذة.
ما الذي يضطره صاحب البيت الذي يسكنه مع اسرته، الى وضع لافتة : البيت ليس للبيع، الا بسبب وجود ضغوط تمارس عليه لبيعه، بالحسنى او بالإكراه.
إذا كان الناس يخافون أن يتركوا بيوتهم خالية خوفاً من أن تسكنها ” الجن”، فإنهم اليوم يخافون من أن يسكنها شياطين الإنس غفلة أو بالقوة الجبرية.
اللجوء الى القانون قد يفضي الى ذاك المصير المأساوي الذي واجهه ضابط الشرطة عند اصطدامه بالمتجاوزين على ارض المالك في البوعيثة.
ويبدو أن الحد القانوني يقف عند المواطن الخائف من لاشيء، لأنه ليس عنده شيء، لكنه يتلفت من حوله، ويرجو سلامة يومه.
أما اصحاب القوة، فهؤلاء يصيغون قانونهم الخاص الذي يفرضه الضرب بالرصاص.
لا ادري وانا اسمع محدثي يقول : لا اريد ان ابيع بيتي، لكنهم حددوا لي مهلة! بخلافها لا تحمد عقباها.
سكت برهة، ثم وجه لي تساؤلاً : ما رأيك أن اشكوهم الى الجهة الفلانية، أو الفلانية؟ .. وفاته أن هذه الأدوار يتقاسمونها في ما بينهم، لكن الغريب أنه ابعد عن تفكيره الشكوى الى السلطات الرسمية المختصة.
خلاصة ما توصل اليه، وسط الخوف والرجاء، أن يسلم بنفسه وبأسرته، ويبيع البيت ويذهب الى المنافي التي يؤمن بها بقية عمره.
وليت مستدبراً الى بيتي، داعيا الله أن يستره من عيونهم، واقرأ وانفث عليه: وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لايبصرون.
واقع تجسده كلمات مختصرة، صاغها زعيم المافيا في فيلم عصر القوة أدهم الفيومي، الذي أدى دوره الفنان الراحل عبدالله غيث، وهو يخاطب ابنته دكتورة القانون امينة : ” القانون ده اتعمل للضعفاء عشان يحميهم ويحافظ على حقوقهم، لكن الأقوياء قادرين يحموا أنفسهم بأنفسهم ويحافظوا على حقوقهم”.
أي مايراه هو حقوق ضمن منطق الغابة الذي يؤمن به، وهو : كل شيء للاقوى.
وربنا يسلم بيوتكم من العيون.