23 ديسمبر، 2024 5:35 م

بيع امك و”اشري” البارودة

بيع امك و”اشري” البارودة

كانت  هذه الاهزوجة “بيع امك واشري البارودة” واحدة من الاهازيج اوالهوسات التي انتشرت اثناء ثورة العشرين في العراق في القرن الماضي. ويبدو واضحا ان لتلك الاهزوجة وطبقا لظروف تلك المرحلة ما يبررها الى حد كبير على صعيد مواجهة الاحتلال الانكليزي للعراق. فالانكليز جلبوا معهم احدث انواع الاسلحة انذاك كالمدافع والطائرات ولعل  “طوب ابو خزامة ” شاهد على ذلك.. بينما لم يكن يملك الثوار وجلهم من ابناء القرى والارياف  من اسلحة سوى الفالة  والمكوار وربما البارودة او البندقية بلغتنا الحديثة. حيث كانت هي السلاح الاحدث والاهم في ترسانتهم.

 وبصرف النظر عن شكل المقاومة ونوعها وقتذاك فان نظرية الثوار كانت تميل الى رفع  مكانة السلاح بما يناسبه من هدف نبيل وهو الدفاع عن الوطن الذي كان يتعرض للعدوان.فالسلاح والحالة هذه تصبح له الاولوية الاولى على ماعداها حتى لو ادى الامر ان يبيع الانسان امه. ومع ان المنطق لايجيز ذلك لكن صيغة المبالغة هنا تنصرف الى عمق فكرة الدفاع عن الوطن.

 تذكرت هذه الاهزوجة وانا استعرض عشرات الاخبار والتقارير التي تتحدث عن استشراء ظاهرة بيع السلاح في مناطق الوسط والجنوب والذي تزامن مع الحديث عن “الجيش العراقي الحر” على غرار الجيش السوري الحر. ولعل اكثر ما اثار انتباهي بصدد هذه القصة التي اختلط فيها حابل الكذب بنابل الاشاعة هو ان مدن الوسط والجنوب كانت هي في العشرينات من القرن الماضي موطن الاهزوجة التي تقول “بيع امك واشري البارودة”.. فكيف يمكن ان يستقيم الحال الى الحد الذي يتغير فيه منطق الامور بحيث لم تعد هناك قيمة للسلاح الذي بات يباع مثلما يقال وبكميات كبيرة لجهات مجهولة قادمة من الخارج  بهدف افراغ الوسط والجنوب من الاسلحة.

والهدف الذي يكمن خلف ذلك وهنا مكمن المفارقة المضحكة المبكية معا هو فسح المجال  امام هذا الجيش الحر المزعوم لكي يذبح ابناء الوسط والجنوب بالاسلحة التي يشتريها منهم.اي منطق هذا؟ واي استغفال لعقول الناس؟ واذا كانت الشائعة تنتشر في العادة في الاوساط الشعبية الفقيرة فان السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن لجهات وحتى مسؤولين تبني  مثل هذه الاخبار وكأنها حقائق لايرقى اليها الشك؟

 لا احد بالطبع لايدعو الى الحذر والتحسب واليقظة من كل مايجري لاسيما ان المنطقة مقبلة بالفعل على تطورات قد تكون مقلقة ان لم تكن خطيرة. لكن ان “ننهزم ليكدام” امام جيش مزعوم وظاهرة لاوجود لها على ارض الواقع مثل افراغ الجنوب والوسط من الاسلحة فهذا امر يحتاج بالفعل الى اعادة النظر في كل حساباتنا الخيالية والواقعية معا.

وقد لا اغالي حين اقول انه لاتوجد من وجهة نظري اهانة اكبر توجه الى ابناء الوسط والجنوب ممن يحسبون انفسهم عليهم من هذه الاهانة حين يقال انهم يبيعون اسلحتهم للغرباء لمجرد ان اسعار السلاح قد ارتفعت. لا احد ينكر ان هناك بالفعل امكانية لرفع اسعار السلاح في مثل هذه الحالات ولكن من اجل ضم المزيد من الاسلحة من قبل الافراد وليس بيعها الى غرباء لكي يذبحون .. الامهات قبل الابناء.