23 ديسمبر، 2024 2:52 م

لا اصدق ان عراقياً اي عراقي يدافع عن صدام حباً به، لأني كنت ارى كل العراقيين جميعا بما فيهم أبناء عمومته يأنون من ظلمه. وحتى عندما فشل من جاء بعده فشلاً ذريعاً، فان من استنكر هذا الفشل ما كان باستنكاره يحب صداما، عندما يقارن بين زمانين، انما أصيب بخيبة أمل واحباط من تغيير كان يحلم به لعقود وظن ان نهاية صدام هي يوم الخلاص ليكتشف بعدها ان كابوس صدام لم ينته بعد. فصار لدى العراقي كابوسان كابوس الظلم وكابوس آخر اسمه ان لا نهاية لهذا الكابوس.

هكذا افهم حتى من يتحدث عن ذاك الزمان القبيح بود. لأني افهم حجم المرارة التي في حلقه لأني أشاركه إياها.

انما ان يحب احدٌ صداما لان صداما كان رجل دولة او كان عادلا أو ان نظامه كان نظاما جيداً فهذا اما لم يرَ ولا سَمِعَ بصدام او انه احمق لا يميز بين غث وسمين او انه عبد قن لا يملك رأيا وأعار ما في رأسه لغيره يتصرف به كيفما شاء لانه لا يفهم من دنياه أمرا الا معتلفه فمن زاده علفا ملك جمجمته.

مناسبة هذا الكلام ليس الاشمئزاز من تمجيد نظام قبيح، بل من ان هؤلاء الحمقى والعبيد كنت أظنهم مجرد رقم هامشي لا قيمة له لأكتشف انهم اكثر بكثير مما أتصور. وليس لأني اسمع مدحا لذاك النظام المقبور فهذا امر لا يستفزني كثيرا لأني كما اسلفت ان كل مدح لذاك النظام الذميم هو صرخة موجوع من حلم تبدد.

الذي استفزني حقا هو كيف تتحول بوصلة جمع غفير وكم هائل من مقاوم الى مهادن ومن مهادن الى مدافع عن قاتله.

نعم افهم وأقدر جيدا ان ينتفض شخص ما لانتماءه الطائفي وان يدفعه ذلك الانتماء وتلك العصبية لتغيير صورة الواقع دفاعاً عن انتمائه وتمسكاً بعصبيته، انما ما لا افهمه فعلا كيف يستفزه ان ينتقد أحداً ما عدوه المفترض. وحتى لو فرضنا جدلا ان الانتقاد كان صادرا بلا وجه حق فبحكم عداوته الحزبية او الطائفية من المتوقع منطقيا يقول ان هذا المنتقِد انما يرفع كلمة حق ويريد بها باطلا. اما أن يقول انها كلمة باطل ويريد بها باطلا فهذا من العجب العجاب. فكل تاريخ هذا المتحمس الجديد والمدافع الغيور عن عدو الامس كان صراعاً مع نفس العدو، بل ان كل وجوده ما كان ليكون لولا هذه الخصومة الشديدة مع هذا الخصم والعدو.

عندما نريد ان نصنف من هو عدو امريكا التاريخي فلا يعقل ان نجد أحداً أفضل من اليسار. لانه نقيض مثالي لها فهو يرى فيها عدوا طبقيا اذ هو يدافع عن المحرومين والفقراء والطبقات المسحوقة، بينما هي تدافع عن مصلحة الطبقة البرجوازية وتؤسس لكل ما يزيد من ثراءها. وبينما يدفع اليسار باتجاه الثورية وتبني حركات التحرر تقف امريكا على الجانب الاخر في الضد من هذه الحركات. وكان اليسار على طول الخط ضد كل الأنظمة الرجعية في منطقتنا لانها أنظمة متخلفة تمتهن حقوق الانسان وخصوصا المرأة وتكرس حكم العوائل من مشيخات وأمراء وملوك وتتبنى افكاراً متخلفة تتمسك بسلفية مضحكة ومقرفة بحوادث أسطورية ومعتقدات بالية. وهذه الأنظمة الرجعية بأفكارها البالية أسست لجيل من الجهلة والمتعصبين الذين لا يَرَوْن للآخر حتى حق الحياة لانه لا يتبنى عقائدهم فأنتجت التكفيرية واستباحت دماء خصومها وتراثهم فهدمت معابدهم الدينية وسمتها شركا ولا ينبغي للقبور ان تكون مزاراً فمسحتها من الوجود بدءاً من البقيع مرورا بكل مرقد وقبر وأثر ولو كان بيت النبي محمد لتجعله مكتبة او دورة مياه وانتهاءً بضريح العسكريين في سامراء وكانت تفخر بهدمها هذه القبور لانها تمثل تخلصا من الشرك ولو هدم اي قبر بيد غيرها او نسف تمثال في اي مكان لم تكن تخفي سعادتها بذلك بل وتكيل المديح لهذا الفاعل اما قتل المرتدين وأهل البدع فلا تجده الا عزاً وفخراً وجهاداً ما بعده جهاد عند هذه الأنظمة الرجعية المتخلفة وطبعا بلا شك ان زعامة التخلف والرجعية لا ينافس عليه المملكة السعودية اي نظام. وعندما اقتحم الانتحاريون بصيحات الله اكبر أسواق الرافضة وحسينياتهم وتجمعاتهم تصدى لهم جيش يحمل اهم عقيدة رافضية اسمها الإيمان بامام غائب منتظر لتخليص الناس من الظلم والاخذ لثارات المقتولين ظلما. فانضم لليسار حليف جديد بالعداء لامريكا وعملاءها في المنطقة وأصبح شعار كلا كلا امريكا شعارا رائجاً وماركة مسجلة وعدو الوهابية وجيوش انتحارييها بقوة السلاح هو ميزة هذه القوة الجديدة ولان السياسة مصالح وفن إدارة فيمكن احيانا إيقاف الحروب واللجوء الى القوة الناعمة والتفاوض على المصالح في حروب دبلوماسية بدلاً من لغة الرصاص وهذا امر ليس بمعيب ولا بغريب ولا عجيب انما العجيب ان ينسى الخصم ان من يجلس أمامه في الحرب الدبلوماسية عدوه ويحسبه صديقا له وينسى كل تاريخ الدماء والتكفير ويظن ان عدوه التاريخي اصبح حملا وديعاً فقط لانه ارتدى زي الحَمَل فترى روسيا مثلا لم تنس يوما ان امريكا هي عدوها التاريخي ولا امريكا نست ذَلِك. والأعجب من كل هذا بل هو غاية العجب انك عندما تعلن عداءك لامريكا ولنظام رجعي طائفي مثل النظام السعودي لا ينتفض دفاعاً عن امريكا والسعودية اعوانها واتباعها التاريخيين ولا القريبين منها، بل ينتفض أشد اعداءها التاريخيين ممن كان وجودهم قائم أصلاً على هذه العداوة. حينها ينطبق اليسار على اليمين ويغدو الحسين رفيقا ليزيد. كل هذا الأعاجيب تحصل فقط لان واحدا ذكّرهم في رجب بمقولة خالدة تقول مثلي لا يبايع مثله وقديما قالوا عِش رجباً ترَ عجبا. فعشنا ورأينا بيعة رجب.