يوم الغدير وعيده الأغر روى حديثه الأصحاب والتابعون وتابعو التابعين، وكفاه فخرًا بلغ من الشرف والشهرة ما بلغ، ترجمه رجال الحديث متواترًا (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) نزلت في علي – عليه السلام -، أكمل الله تعالى فيه دينه وأكثر من حجته، وبلغ بها نبيه الأكرم -صلى الله عليه وآله وسلم – الناس فريضة الولاية والخليفة من بعده، ليعهد بعهده ويقدم وصيته ويعمد إلى ما عنده من العلم وميراث علوم الأنبياء وآياتهم، ليسلمها إلى وصيه وخليفته من بعده حجة الله البالغة على خلقه علي بن أبي طالب – عليه السلام – مولى كل مؤمن ومؤمنة وهم الفائزون، إلّا من لاقى الله بعداوته من أهل النفاق والشقاق، وكانوا من الخاسرين الذين عادوا من جديد، بنهجهم المارق وفكرهم الداعشي ليعيثوا في الأرض فسادًا، ليقطع رجاءهم وأملهم حفيده المحقق الأستاذ، في ضعف وهوان وفرقة وتشرذم الأمة ورجوعها للجاهلية، بسموق نتاجه الفكري الموسوم (الدولة..المارقة…في عصر الظهور…منذ عهد الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم -)و ( وقفات مع …. توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري).
فالغدير ليس مجرد حدث تأريخي لزمن معين وفئة خاصة، و انما هو ثقافة إنسانية متكاملة الإبعاد شملت جميع جوانب الحياة التي تحتاجها المسيرة البشرية، تلك الثقافة جسَّدها أمير بيعة الغدير الإمام علي عليه السلام.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: « إِنَّ الْقُرْآنَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ، وَ إِنَّهُ يَجْرِي كَمَا يَجْرِي اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ وَ كَمَا يَجْرِي الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ، وَ يَجْرِي عَلَى آخِرِنَا كَمَا يَجْرِي عَلَى أَوَّلِنَا »، بحار الأنوار، ولمَّا كانت بيعة الغدير بنص القرآن الكريم، فكيف نفهم جريان واقعة الغدير-التي نطق بها الذكر الحكيم- في كل زمان، وكيف نجسد هذه الواقعة في فكرنا وسلوكنا ومواقفنا بالشكل الذي يتحقق فيه مفهوم الجريان الذي تحدث عنه الإمام عليه السلام، وبتعبير آخر كيف نفهم الغدير ونبايع ونجدد البيعة والولاء لأمير بيعة الغدير عليه السلام؟!.
الجواب يأتي من أمير الغدير وأئمة الغدير صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والمستفاد مما ورد عنهم فيما يتعلق بحقيقة الولاية ونهجها الإلهي، ويأتي ايضا من فهمنا ويقيننا، بأن بيعة الغدير ثقافة إنسانية جسدها الإمام علي عليه السلام في حياته واستشهد من اجلها وهذا يعني أن بيعة الغدير:
بيعة الحق والأخلاق والعدل والإعتدال والوسطية…بيعة العقل والفكر والعلم والدليل والأثر والبرهان الشرعي العلمي الأخلاقي…بيعة: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…
بيعة السلم والسلام والتآخي والتعايش السلمي…بيعة: الناس صنفان اما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق، كما يقول امير بيعة الغدير.
بيعة نصرة المظلوم والوقوف بوجه الظلم والفساد والجهل والتطرف والتكفير والظلام…
بيعة الأخلاق والقيم الإنسانية التي جسَّدها وضحى من أجلها إمام يوم الغدير عليه السلام، ولذلك نال عليه السلام التنصيب الإلهي الذي به اكتمل الدين وتمت النعمة، وهذا النهج دعا اليه وتمسك به وجسده الأستاذ المحقق.
احمد الدراجي