نعود من بعيد، من هناك، من الصدر الإسلامي الأول، حين كشف القرآن عن حقيقة غيبية في الصراع على الحكم” أَ فأن مات محمد أو قتل انقلبتم على أعقابكم”.
أنقسم المجتمع الإسلامي الحديث النشأة ولولادة، بعد وفاة النبّي”صلواته تعالى عليه وآله” إلى تيّارات: تيّار الغاصبون للخلافة،وتيّار الهاشميّون المعارض، وتيّار المنافقون الأموي، والأنتهازيون أصحاب المنافع، واللامبالون”اليتزوج أمي يصير عمي”، وكانوا الغالبية.
حصل صراع شديد بينهم على الخلافة، ولم تبعد بيعة الغدير سوى 70 يوماً، والآن هل عرفت سرّ هذا العدد المذكور في أية من آيات القرآن.
الإخبار منه سبحانه وتعالى بالأنقلاب، لم يفقه أغلب المسلمين، لأنهم نائمون، ومن شيّم النّوم نقض العزائم، فجاء رجل من أقصى قريش، بعد أن إنقادت له الأمور، وأستوى على العرش، وزيّن له الملك، يخبرهم بحقيقة هذا الأنقلاب، الذي أدركه من قبل بقوله:”بخ بخ”. ولكن أضمره في خضّم الصراع بقوله: “ان رسول الله لم يمت، بل ذهب إلى ربه كما ذهب موسى…”!فلعب دور المصلح المفسد، والعالم الجاهل أنذاك، وحين لم يكن شيئاً يخشاه، أطلق عبارته الشهيرة:(أن بيعة… فلتة وقانا الله شرّها).
أفرزت سياسة”بيعة الفلتة”عن تسلّط رجال على الحكم، ليسوا أهلاً للقيادة، فواحد يقول:(ان لي شيطان يعتريني، وأنا الخالفة)، وآخر يقول:(حتى ربّات الحجال أفقه مني، ولولا علي لهلكت)، فالذي أحتج بنظرية الشورى:(منّا الأمراء ومنكم الوزراء)، أبدلها بنظرية التعيين:(احلب حلباً لك شطره)، إلى أن أنتهى الحكم إلى البيت الأموي،العدو الأول للرسول وللإسلام، ليتحكم بالمسلمين بأسم الاسلام، وفق سياسة ممنهجة، وتحالفات سرية معدة مسبقاً، لا تخلو منها اليد اليهودية أنذاك.
تشابهت القلوب، وأستدار فلك الأحداث بأرهاصاته على الأجيال، وأن أختلف بشخوصه وعناوينه، احتدم الصراع الداخلي السياسي في العراق على الحكم، فبعد سقوط صنم بغداد، السفّاح اللعين، رمز العروبة، وقائد الحملة الأيمانية”المجرم صدام التكريتي”، تسنّم زمام الحكم في بيعة الفلتة، حزب أتى بقائد أوّل لا يعرف معنى قوله تعالى:(وفاكهة وإبّا)! أو لا يعرف منبع نهري( دجلة والفرات) من أين!؟.
بعد التي واللتيا، خلع الأوّل، ثم”صغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره،مع هن وهنٍ”، صيّرت الحكومة في( حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والأعتذار منها)، فأفرزت حكومة الثاني، عن فساد هائل في المال العام، وتقصير فاضح في الخدمات، وسقوط محافظات بيد أرهاب، وإعادة البعثيين الأمويين في مناصب كبرى، كالذي نصب معاوية بن أبي سفيان ـ عدو الله ورسوله ـ على الشام 20 عام، وأخشى ما أخشاه عودة البعث إلى الواجهة من جديد بلباسٍ أنيق!.
مابين بيعة الفلتة الأولى”الأنقلاب” والثانية، آهات وآهات”ولشدّ ما تشطّرا ضرعيها”
، فتلك أضرّت بالإسلام والمسلمين! وهذه أضرّت بالعراق والعراقبين! ولا أعرف السرّ أو العلة في ترأس الحكم، فغالباً ما يكون للأسوء، وبعبارة ألطف:”ليس أهلاً للقيادة”؟ ولعل أبو سفيان عبّر عن هذه الحقيقة المرّة بقوله في فترة بيعة الفلتة الأولى:(ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش…).
عندما خطب أمير المؤمنين”عليه السلام”، خطبته المعروفة بالشقشقية، قطعها حين ناوله رجل كتاب فيه مسائل، فلمّا فرغ من قراءته، قال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين، لو اطّردت من خطبتك من حيث أفضيت! فقال:(هيهات يابن عبّاس! تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت).
أقول: ربمّا هذا المقال، شقشقة من مواطن عراقي، وقع عليه الحيف والظلم من حكم البعث وما بعده!وقد صدق دعبل الخزاعي بقوله:
مات خليفة لم يحزن عليه احد
وجاء خليفة لم يفرح به أحد.