18 ديسمبر، 2024 8:12 م

أحد المستشرقين وجد بعد بحثه في كتب التاريخ التي تناولت فترة حكم الإمام علي (ع) في خلافته للمسلمين وقيادته للسلطة وهي مدة حملت بين طياتها أروع القيم الإنسانية التي حفظت ثوابت الإنسان وكرامته وميزة الحق من الباطل ,وجد أن هنالك بيتاً للإمام لا يوجد فيه باب ,وهل يعقل أن يكون شخصاً مثل سيد البلغاء بيته لا باب له ؟ وهو رمز المروءة والحمية ,ثم هل من المنطق أن ينظر الناس ما في داخل بيته دون خجل وحياء؟وبتعبيرنا الدارج يعني البيت (دشر) مشرع الأبواب ,في حين أي شخص لا يقبل أن يكون مسكن بيته وداره لا يحتوي على باب وجدران وشبابيك للحفاظ على خصوصياته من تسلل الأنظار لحرمته,لكن الإمام فعلاً كان له بيت ليس فيه باب ,لكنه ليس بيت عائلته الذي يضم أولاده الحسن والحسين وزوجته البتول الطاهرة ,وإنما كان بيت خصصه لاستقبال ظلامات الناس المظلومين والنظر بمشاكلهم وهمومهم وآلامهم بنفسه دون وسيط لمعرفة للوصول أليه للوقوف على ما يحل بهم والاستماع لوجهات نظرهم وأرائهم,لماذا لم تكن هنالك باب ؟ الباب تعني أن هنالك حاجز نفسي ومادي سيمنع المواطنين من الوصول لعرض ما يقع عليهم من حيف ,والباب قد تكون موصدة في بعض الأحيان ,والإغلاق يعني عدم مجيء من يريد المجيء لعلي,لم يضع سيد الحكماء مدير مكتب وسكرتير (حاجب ) لأنه يعتقد أن حاجب البوابة سيسقط أهوائه الشخصية وميوله النفسية وستتدخل علاقاته الاجتماعية والعاطفية بمن يريد اللقاء به , كان هو يستقبل الناس وباختلاف عناوينهم وهوياتهم ,ويحل معضلاتهم ومعوقاتهم ويناقش ويستمع من الآخرين ويأمر بالصرف المباشر لمساعدة المحتاجين كسراً للبيروقراطية ومساوئها ,أوليس هو القائل :{أن خلافتكم هذه لا تساوي عندي شسع نعل إلا أن أقيم حقاً أو أدحض باطلا },أن الباب في دلالاتها تحمل رسائل ومعاني كبيرة وعظيمة لرؤساء وسلاطين وملوك وأمراء وكل من يجد نفسه مسؤولاً عن مواطنيه ورعيته الذين وضعوا ثقتهم به وانتخبوه وأوصلوه لبيت السلطة,ليجدوا فيه وسيلتهم لقضاء حوائج المحتاجين ونصرة المستضعفين والمحرومين ,وليس باب للتحكم وسد النقص والقصور الذاتي الذي يعيشه وممارسة الذلة والاستخفاف بهم وبمقدراتهم ,الكثير من القادة والمسؤولين المهذبين والمحترمين خسروا مناصبهم بسبب واجهة من كان يمثلهم من مدير مكتب وسكرتير ومعية غير مؤهلة أو من وضع ثقته بهم بغير محلها ,ان التواضع والبساطة ونكران الذات ليس عيباً كما يفسره البعض ,بل هو قمة في سمو خلق من يعمل به ,فالممتلئون لا يحدثون الضجيج لأنهم ناجحون والحال ينطبق على الأواني الفارغة التي تحدث الفوضى وهي فارغة,قيمة الشخص المسؤول لا تتجلى بالأثاث الفخم بمكتبه ,أو بنوع الكرسي الدوار من مناشىء عالمية ,بل بعطائه وفكره المتجدد وعلمه وعمله المؤمن به,وبالحفاظ على ثوابته والمبدأ الذي يعتقد به ,دون النظر الى المكتسبات وموكب السيارات المصفحة ,بل الولوج لحياة الضعفاء وتبرئة الذمة أمام الله وخصوصا أن هنالك في السلطة يدعون أنهم على خط الانتماء لعلي ,وخط علي ليس حكراً على أحد بل يحتاج منا سلوك فعلي أكثر ما يحتاجه للسلوك النظري,وهنالك من أثلج قلب علي فوجدناه محباً متواضعاً ساعياً للخير ماشياً في قضاء حوائج الناس متسامياً فوق مسميات كثيرة فالنفس الكبيرة هي من تصنع الأمل والحياة .