18 ديسمبر، 2024 4:57 م

بيت الكريتلية.. ارتباط الروح بالأرض

بيت الكريتلية.. ارتباط الروح بالأرض

لا يستطيع أحدنا أن يمنع الروح من التعلق بما تهواه فتعيش بعاطفتها معها ولأجلها، تتوحد مع شخص ٍ أو فكرة أو حالة أو مكان، تعشق تفاصيله ويصبح كل ما فيه جزءًا منها فتتلاشى الإختلافات وتذوب الفوارق ليقترب القلب مما يحب ويغير هذا الحب مجرى حياته وترتبط بفضله الأسماء والأقدار لتصنع حكايةً خالدة كحكاية متحف جاير آندرسون أو بيت الكريتلية على أرض مصر الحبيبة..

فيتكون هذا المتحف من بيتين هما بيت (محمد بن الحاج سالم) وبيت (السيدة آمنة بنت سالم) واللذين تم الربط بينهما بممر (قنطرة)، ويعد هذان البيتان من الآثار الإسلامية النادرة والثمينة التي تؤرخ لفترة مهمة من التاريخ المصري والعربي والإسلامي والتي تنتمي إلى العصر المملوكي والعثماني، ويقع بيت الكريتلية في أحد أعرق شوارع القاهرة القديمة شارع وميدان (أحمد بن طولون) في (حي السيدة زينب) الذائع الصيت..

وبدأت قصة جاير آندرسون في مصر عندما عمل طبيباً في الجيش الإنجليزي وكان من بين الضباط الذين خدموا في صفوفه وصفوف الجيش المصري، وكان مولعاً بمصر وتراثها وقام بتجميع هذه الآثار والمقتنيات على مدار سنوات ثم تقدم لاحقاً بطلب في عام ١٩٣٥ إلى (لجنة حفظ الآثار العربية) للسكن في هذين البيتين، فقام بتأثيثهما على الطراز الإسلامي العربي وعرض فيهما مجموعته الأثرية من مقتنيات من مختلف حقب التاريخ التي شهدتها مصر سواءاً كانت إسلامية وهي الغالبة على مقتنيات المتحف أوحتى فرعونية أو آسيوية على أن تؤول ملكية هذا الأثاث ومجموعته من الآثار للشعب المصري بعد وفاته أو عند مغادرته لمصر نهائياً فوافقت اللجنة بعد أن كانت على وشك هدم البيتين أثناء مشروع التوسع حول جامع (أحمد ابن طولون) في ثلاثينيات القرن الماضي..

وبالفعل لم يدخر جهداً في تنظيم البيتين ولم يبخل بإنفاق المال على شراء الآثاث والمتحف من البيوت الآثرية ومن الأسواق في مصر وغيرها من القطع الفنية التي تنتمي للعصور الإسلامية على وجه الخصوص، والتي تتنوع صناعتها بين صناعاتٍ عربية وصناعاتٍ من بلاد ٍ أخرى كالصين، فارس، القوقاز، كما شملت عدة بلدان من آسيا الصغرى والشرق الأقصى إضافةً إلى بعض التحف القادمة من أوروبا، ويلاحظ الزائر لهذا البيت حالة الانسجام والتناغم بين مختلف الحضارات والثقافات والذوق الرفيع الذي تم به تأثيث هذا المنزل الذي أصبح اليوم واحداً من أهم معالم وآثار مصر التي لا تقل في قيمتها عن بقية المناطق الأثرية على أرضها..

والتي تحولت بعد وفاة صاحبها إلى متحفٍ يحمل اسمه متحف (جاير أندرسون) وذلك بعد أن آلت ملكية البيت ومقتنياته إلى (مصلحة الآثار العربية) تبعاً لوصيته والتي ارتأت تسميته بهذا الإسم، ليظل شاهداً على حبٍ من نوعٍ خاص تتعانق فيه الأرواح والأماكن ساميةً فوق كل اعتبار ولتحمل معها الكثير من الرسائل للأجيال المقبلة..