وهل الإعتراض جريمة؟
وحتى لو كان قاسيا فلايعني إن المعترض يمارس فعلا يخالف القانون. القانون وجد ليفصل في المنازعات بين طرفين، وليحمي المجتمع من سلوكيات مضرة يمارسها أفراد، أو جماعات، ولماذا ننفي وصف الفرد بالمثقف، وننفي عنه الوعي بحال بلاده، ودوره، ومشاركته في التغيير والإصلاح، ونصمه بأبشع النقد وأقساه لمجرد إنه إتخذ مسارا مختلفا، ونادى بالتغيير، وفكر بطريقة لاتلائم مصالحنا التي نسهر عليها، ولانريد ان تتعرض للتهديد، أما الوطن والناس والأشياء فلاتعنينا.
المثقفون وصناع الرأي من كتاب وصحفيين وفنانين عاشوا عقودا من التنوير والقراءة والكتابة والعمل في شتى مجالات الإبداع، وهولاء ليسوا بغائبين عن الوعي، وهم أقرب الى فهم الحوادث من أصحاب المصالح. لأن المثقف في الغالب لايمتلك الكثير من المال، ويعتني بإبداعه أكثر من عنايته بالمال والمصالح، ولذلك ينظر الى الأمور بتجرد عن المصلحة المادية، ويهتم بجمالية الأشياء، وبالبحث عن المستقبل والسعادة فيه لأنه حالم بطبعه، وحين يتم جلد الأحلام لايعود المثقف مهتما بالمكاسب لأنه حينها يشعر بطعنات الخناجر في خاصرة كبريائه فينتفض رافضا السائد، معترضا عليه، ناقما ثائرا، وليس كلنا يستطيع فهمه، والتعاطف معه.
مضت سنوات على إختفاء ذلك الصديق الذي كان يتحدث لي عن الرغبة في الإصلاح والتغيير، ومحاربة الفساد، وكنت أتفهمه، وخلال السنوات التي تلت إختفاءه إختفى ناشطون ومثقفون، وقتل صحفيون، ومضت أيام الوطن رتيبة بالية لأن القائمين على شؤون البلاد أرادوا تلك الأيام كما كانت قبل مجيئهم، رتيبة مملة، والمهم أن يحافظوا على هيمنة لن تدوم لهم، وسيندمون.
قبل أسبوع من حادثة غيابه إتصل بي لأكثر من مرة لنجلس سوية في عاصمة بلاده التي أحب زيارتها، كان يظنني فيلسوفا، ولم أكن كذلك، بل كنت حزينا لأنني كنت أتمنى أن لاأراه ناقما مثل عراقيين كثر، وكنت أرجو دولة ناهضة ضاعت للأسف.. كان طيبا للغاية، وكانت آخر هداياه لي وجبة بيتزا، وكلما مررت قريبا من المكان الذي جلسنا فيه، وتحدثنا أبتسم بحزن.