مرة أخرى يمسك السيد الصدر المبادرة ويضع الطرف الآخر في الزاوية الحرجة فبيانه الأخير واضح في :أولا.. مناكفته لوثيقة الشرف الأخيرة التي وقع عليها رئيسا الجمهورية والوزراء وزعماء كتل سياسية تؤمن بأهمية سيطرة الأحزاب في اختيار الكابينة الوزارية ومناصب الدولة كلها من خلال لجنة حزبية حكومية مع فتح باب الترشيحات.. واصفا ( الصدر ) إياها بجملة قاسية :(( طفحت على الواجهة الأصوات النشاز المطالبة بالمحاصصة وإرجاعها بعناوين وحجج ماأنزل الله بها من سلطان )) فلاريب في أن ألفاظ ( طفحت ونشاز وحجج ماأنزل الله بها من سلطان ) فيها من الدلالات مايكفي لرفض المبادرة الوطنية بأشد موقف.. وهو موقف يستند الى حقيقة ثابتة في ذهن الصدر مفادها : لامحاصصة بعد اليوم.. بيد أن الأحزاب الأخرى وبخاصة الكردية لها نظرتها المغايرة جدا..
ثانيا..الرفض المطلق والحاد لأي مصالحة مع السيد المالكي أو حزبه أو مؤيديه في كلام عنيف وحاد (( قامت بعض الشخصيات وتوابعها بإرجاع سياساتها المقيتة لتحرف الطريق الصحيح عن مساره ولتجيير ذلك لصالح مآربها الشخصية والحزبية الدنيئة ..فتبا للحكومة السابقة ولقائدها قائد الضرورة صاحب الولاية الثالثة المنهارة )).. ولا أظن بعد هذه الكلمات من يفكر بأن الطرفين سيلتقيان يوما على مائدة حوار فتلك مواقف مصيرية لن تتبدل في جيل واحد..وهنا استطاع الصدر أن يضبط الميزان فلا هو كان مجاملا حليفه السياسي وهو المجلس الأعلى الذي قاد المبادرة الوطنية ولا مهادنا عدوه السياسي لكسب أصوات إضافية وقوة لتحقيق مشروعه الإصلاحي وهو ماأعطاه قوة مضافة لأن الصدر انطلق في بياناته الأخيرة من الإرادة الجماهيرية التي عززها تفاني الجمهور الصدري بالخروج للمظاهرات والاعتصامات والتعاطف الشعبي مع دعواته الاصلاحية فضلا عن جمهور آخر يتحرك كله في دائرة الرفض لكل ماتقرره الأحزاب سواء أكان نافعا أم لا .. وقد بينا في مقالة سابقة هذا الموضوع بالتفصيل ( ينظر مقالة قوة الصدر .. من أين ؟)..اليوم وضع الصدر كل القوى السياسية المناوئة قبالة الجمهور الذي يسانده ويساند فكرته حول الإصلاح فضلا عن الجمهور الذي ينطلق من فكرة الرفض لكل خيار حزبي ..كما أنه وضع الرئاسات الثلاث في خانة زمنية محددة ب 72 ساعة لترتيب أوراقها من جديد للعودة بها الى ماقبل الخميس والثلاثاء ..كما أنه أعطى لرئيس الوزراء زخما جديدا للعودة به الى حكومته التكنوقراط التي قدمها بعيدا عن مشاركة الأحزاب..ولكنه في الوقت الذي دعى فيه الى مواصلة النواب اعتصامهم والجماهير مظاهراتهم فإنه لم يتطرق أبدا الى دعوة النواب المعتصمين لإقالة الرئاسات الثلاث أو إقالة رئيس المجلس ونائبيه وهذا أيضا منح خطابه قوة للعودة الى برلمان موحد وليس منقسما تضيع فيه الخطوات الصحيحة للإصلاح..خطاب الصدر أعاد البوصلة لاتجاهها القديم والساعات القادمة هي الفيصل في أننا ماضون الى بر الأمان أم الى الفوضى والخراب لاسامح الله..