الحديث اللاهوتي والفيلسوف الوجودي بول تيلـِتش يتلخص بسعيه لإقامة فلسفة مسيحية جديدة ابتداء من البروتستانتية جامعا بين اللاهوت والفلسفة ، الدين والحضارة ، البروتستانتية والاشتراكية ، المثالية والماركسية . اذ تدور فلسفته حول محورين : أولهما اعادة فهم المسيحية على اساس وجودي . والثاني اعادة كتابة تاريخ اللاهوت العقائدي والفكر الديني ، يهدف الأول لزعزعة الأُسس وهز الوجود الانساني لكشف تناقضاته ثم حلها . فالوجود الحر ، ويتمثل في شجاعة قبول الفناء والبحث عن الحكمة ، الوجود محبة وحرية وتحقق . ويبدو كأن الله هو الوحيد الذي يخرج الانسان من وحدته في اطار الحوار بين الانا والانت . ثم يستقر في الايمان ويصف رموزه وانواعه وحقيقته وحياته . وفي سيرته الذاتية يبين كيف كانت حياته بحثا عن المطلق في المعرفة والاخلاق والدين . ثم يحاول ايجاد تطبيقات اجتماعية وسياسية كتعبير عن الايمان(1). و هذا هو مشروعه الذي سعى لتطبيقه في مفاصل فلسفة الدين . وجائت مراحل حياته في المواقف التالية :-
* بول تيلـِتش فيلسوف ألماني المولد أميركي المواطنة ، ومن أهم اللاهوتيين البروتستانت والفلاسفة الوجوديين المعاصرين، ولد في 20 آب 1886م بمدينة Stareddel)) في ألمانيا ، تقع هذه المدينة اليوم في بولندا واسمهاStarosiedle))، وكان والد بول تيلـِتش (جوهانس تيلـِتش) كاهنا لوثريا وراعيا للكنيسة في مدن بروسيا القديمة .
* في عام 1890م حيث كان عمر تيلـِتش أربعة أعوام انتقلت العائلة إلى (Neumark ) حيث عُين والده مشرفا للأبريشية بتلك المنطقة.
* وفي عام 1900م انتقلت العائلة للعيش في برلين وهنا حدث التحول في حياة تليش حيث دخل مدرسة برلين وتخرج فيها عام 1904م ، ولكن قبل التخرج بعام ، كان هناك حدث أثر بعمق على تليش حيث توفيت والدته ماتليدا نتيجة مرض السرطان في عام 1903م .
* في عام 1904 م ، دخل تيلـِتش جامعة برلين في كلية اللاهوت وفي الفصل الدراسي الشتائي من العام نفسه ، اكتسبَ معرفة جديدة بتاريخ الفلسفة وبشكل خاص فلسفة كانت وفخته ، ثم انتقل الى جامعة توبنغن عام 1905م ، وبعدها قرر تيلـِتش الانتقال الى جامعة Hall التي كانت في ذلك الوقت ذات سمعة عالية في ريادتها للدراسات اللاهوتية ، وكان فيها عالم اللاهوت مارتن كوهلر الذي يعد شخصية علمية بارزة في تلك الجامعة وأثر تأثيرا كبيرا على بول تيلـِتش(2). وتخرج في جامعة Hall بحصوله على أعلى تقدير ، و هذه المدة شهدت تطورا منظما ومبكرا لتفكير تيلـِتش فقام بدراسة مركزة للفليسوف شلنج أثمرت عن أطروحة فلسفية بعنوان ( الشروط والمبادئ لبناء تاريخ الدين في فلسفة شلنج الوضعية ) نال بها شهادة تعادل الدكتوراه من جامعة Breslau عام 1911م.
* عام 1912م حصل على الدكتوراه من كلية اللاهوت في جامعة Hall عن اطروحته الموسومة (التصوف والوعي الآثم في تطور شلنج الفلسفي) ، وفي العام نفسه التقى تيلـِتش صديقه ريتشارد فاغنر وتبادلا الحديث حول أهمية حضور الكنيسة بين المثقفين بعد أن أصبحت بعيدة عنهم تماما، لذا قرر الصديقان تنظيم حوارات حول هذا الموضوع وقاما فعلا بدعوة الطلبة
والأكاديميين والفنانين والمثقفين إلى أمسيات ثقافية تعرف بـ ( أمسيات الحكمة ). وحدثت تحولات في حياة تيلـِتش، حيث بدأ يعمل في جامعة Hall في عام 1913م وتزوج أيضا، وفي ما بعد انضم إلى الجيش الالماني بصفة ( قـس ) وفي عام 1916م مر تيلـِتش بازمة عصبية ومنح على ضوئها إجازة نقاهة من تلك الازمة وعاد الى ممارسة اعماله الفكرية فقدم دراسة عن اللاهوت والمسائل الخارقة ومبدأ الهوية والجدل . في الأعوام المتبقية من الحرب ( 1917-1918) لم يكن يذكر شيء سوى أن تيلـِتش تعرض لاضطراب عصبي حاد مرة أخرى فدخل المستشفى عام 1918م .
* في عام 1919م بدأ تيلـِتش بالقاء محاضرات في كلية اللاهوت بجامعة برلين وكانت أول محاضرة له بعنوان ( المسيحية والمشاكل الاجتماعية ، نظرة وجودية) ومن ثم محاضرات لاحقة ركزت على فلسفة الدين من عام 1920 حتى 1922، وتاريخ الفلسفة اليونانية والفلسفة في عصر النهضة الأوروبية وتاريخ الفكر لأوائل الفلاسفة المسيحيين في العصور الوسطى .
* في عام 1923م عمل على برنامج ذي أهمية خاصة وهو فكرة عن لاهوت الثقافة الذي كان متأثرا به بالفيلسوف كانط .
* في المدة الزمنية من 1924 حتى 1925 عمل تيلـِتش أستاذا للاهوت بجامعة ماريورغ وبدأ بتطوير فكرة اللاهوت النظامي ودرس ثلاث دورات ، ومن عام 1925 حتى 1929 درَّس اللاهوت بجامعة درسدن للتكنولوجيا وجامعة ولايبسج(3).
* وفي عام 1925م انتقل لتدريس اللاهوت بجامعة ماربورج ، وزامل هيدجر و رودلف بولتمان . وعرف عنه اهتمامه بالاتجاه الرومانتيكي والتأمل الجمالي
للطبيعة والتاريخ والفن من خلفية لوثرية قوية متمثلة في الكالفينية . وكذلك ايمان تيلـِتش بالحرية جعله يجهر بنقد قاس ٍوعنيف لهتلر، وعدائه للنازية فأبعد عن العمل في الجامعات ليكون أول أكاديمي غير يهودي تستبعده النازية من العمل في الجامعة(4) .
* عام 1940م وبعد أن استبعده النازيون من المانيا توجه الى اميركا وحصل على جنسيتها ، وبعدها تلقى دعوة للعمل أستاذا للاهوت وفلسفة الدين بالمعهد اللاهوتي الاتحادي في نيويورك ، وظل بهذا المعهد حتى عام 1955م، ثم تقلد الاستاذية من جامعة هارفارد العريقة (من 1955م حتى 1962م) ثم جامعة شيكاغو منذ عام 1962م حتى وفاته في الثاني والعشرين من أكتوبر عام 1965م عن تسعة وسبعين عاما وقد ظل محتفظا بنشاطه ومقدرته على العمل والانجاز ، وحصل على جائزة السلام 1962م من رابطة الناشرين الألمان، وأخيرا عرف بتأثيره على الاوساط الثقافية حتى آخر لحظة من حياته . والمحصلة رصيد ضخم من الاعمال اللاهوتية الفلسفية(5) .
* ـ مؤلفاته
جاءت مؤلفات بول تيلـِتش، بالتصنيف الآتي(6) : ــ
( بناء تاريخ الدين في فلسفة شلنج الوضعية ( 1910م ) .
التصوف والوعي الآثم في تطور شلنج الفلسفي ( 1912م ).
نسق العلوم وفق موضوعاتها ومناهجها (1923م).
فلسفة الدين ( 1925م). الموقف الديني (1926م).
القرار الاشتراكي ( 1933م). ذكرياتي الراحلة (1936م).
تفسير التاريخ (1936م). الحقبة البروتستانتية (1947م).
زعزعة الأساسات ( 1948م). اللاهوت النظامي ( 1951ـــ 1963م).
الشجاعة من اجل الوجود (1952م). الحب والقوة والعدالة (1954م).
الديانة الإنجيلية والبحث عن الحقيقة القصوى (1955م). الوجود الجديد (1955م).
ديناميات الإيمان (1957م).
لاهوت الثقافة ( 1959م).
الأخلاق وما وراءها ( 1963م).
ألان الأبدي (1963م).
المسيحية ومواجهة أديان العالم (1963م).
الوضع العالمي (1965م).
مستقبل الأديان ( 1966م).
بحثاً عن المطلقات (1967م).
منظورات عن اللاهوت البروتستانتي في القرن التاسع عشر والعشرين (1967م).
تاريخ الفكر المسيحي (1968م).
ماهو الدين ؟ ( 1969م).
توقعات سياسية ( 1971م).