كثيرا ما تتداول هذه الكلمة على السنة العراقيين ومنذ اكثر من عقدين تقريبا اي ان كلمة (بوري ) حديثة عهد وطارئة على ارشيف الامثال والمزح والتندرات العراقية ,,معروف ان العراقيين ربما يكونون اكثر شعوب المنطقة ان لم نقل العالم مروا بتجارب مأساوية متمثلة بالحروب وتوجت بالحصار الظالم الذي ضرب العراقيين في بداية التسعينات على يد التحالف العالمي الذي سوق هذا الحصار وأعطاه شرعية قانونية عن طريق قوانين صدرت من مجلس الامن الدولي وبالتالي صار العراقيين في خندق والعالم في خندق اخر اي ان العالم جميعه طبق تلك القوانين وبقوة ودقة لم يسبق ان
فعلها على اي دولة اخرى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ..في هذه الفترة بالذات ظهرت هذه الكلمة (البوري ) وكنا نظن انها ستنتهي بأنتهاء سبب وجودها لكن وكما يبدوا لحد الان من الممكن ان يتداول العراقيين هذه الكلمة على اوضاعهم الماضية بعد الحصار والحالية الى يوم الله هذا .
من اين جاءت كلمة (بوري) او( انضرب بوري ,,او اكلله بوري امعدل ,,او بوري ابو السته ,,او ,,او ) هذه التسمية التي بدأ العراقيين يتحدثون بها اليوم اي انها عادت الى الاحاديث والنكات والمزاحات بعد سقوط الصنم والى تسنم السيد العبادي قبل اشهر رئاسة الجمهورية وبدانا نسمع بها ثانية ..
اعود الى اصل ولادة هذه الكلمة العتيدة التي هي مجرد كلمة بسيطة لكنها تعطي فعلا معاني كاملة وواضحة على وضع ما يعيشه الفرد او مجموعة افراد او المجتمع العراقي برمته..
ظهرت هذه الكلمة في بداية سنين الحصار على العراقيين خاصة اي بعد العام 1991واشتد التداول بها بعد اشتداد هجمة الحصار في الاعوام التي تلت العام 1991 ,,وهي في الحقيقة اوجدها التجار الصغار قبل الكبار وعممها هؤلاء على الكبار بعد ان وجدوا لها ملعبا وايدي واقدام ممكن ان تمارسها ناهيك عن العقول التي تتحكم بتلك الادوات ,,
كان التجار وفي ذروة شحة المواد الغذائية وارتفاع اسعارها وكثرة الطلب الشعبي عليها لأهميتها كقوت لغذاء المواطنين قد وجدوا طريقة للغش قلما تجد ابليس يعمل عليها او يمارسها وربما ابليس قد قدم استقالته لأول من اكتشف الطريقة وغادر مستغفرا ربه عن كل ما قام به ..
يجلب التاجر الغشاش بوري متوسط الحجم ويضعه في وسط كيس للمواد الغذائية كأن تكون من الرز او الطحين او التمر او حتى بعض الدهون الحيوانية يملأ الكيس الشفاف (من النايلون الابيض )بنوعية جيدة من تلك المادة على جانبي البوري ويبقى وسط الكيس فيه فراغ اوجده ذالك البوري فيعمد ذالك التاجر ومن معه بأنزال المواد الغذائية الرديئة والعفنة والقديمة الى الكيس عن طريق البوري ويخرج البوري من ذالك الكيس ويحكم شد الكيس جيدا ويعرض منتوجه ومواده الغذائية على الملأ وأكيد عندما يأتي المواطن لشراء ذالك الكيس بمحتواه من الرز او الحبوب كالحنطة والشعير
والتمر مثلا ينظر الى جوانب الكيس فيجد مادة غذائية جيدة صالحة للأستهلاك البشري في وقت الحصار فيشتري ذالك الكيس كما يريد البائع وعندما يصل ذالك المسكين الى البيت يجد ان كيسه هذا مدعوم بمواد رديئة وعفنة في وسط الكيس وبطريقة لا تخطر على بال احد ..
من طريقة البوري هذه صار الناس يعمم كلمة البوري على كل من يتعرض للغش والنصب والاحتيال وما اكثرها في العراق ,,فيطلق على فلان بأنه (انضرب بوري) لانه باع سيارته على بعض الناس النصابة وأعطوه اموال مزوره وعملة نقدية مضروبة او ان بعضهم تعرض الى عمليات تسمى في العراق (بالهفتي) كأن شخص ما يشتري منك ارضك او دارك بمبلغ خيالي اضعاف مضاعفة عن السائد ويعطيك بعض المبلغ ويؤملك على المتبقي اقساطا فيبيع بيتك ويحوله الى شخص اخر ويغادر ولا تعرف عنه شيئا والهفتي هذا شاع امره في العراق كثيرا في وقت الحصار فيقال ان فلان الفلاني (هفت وانضرب بوري معدل ).
بعد العام 2003 هل انتهت البوريات التي يتعرض لها العراقيين ام استمرت ؟ اؤكد ان بعد هذا العام وما تلاه الى عامنا هذا صارت البوريات اكبر حجما وذات قطر واسع وتقوم بها دول ويبلعها العراقيين فمنذ سقوط الصنم وبعده بسنوات ضربت امريكا العراقيين من شماله الى جنوبه ببوري ليس له مثيل وخرجت من العراق في العام 2011 وبوريها لازال محشورا في جسد العراقيين ..
وبعد امريكا تعرض العراقيين ببوري تلو الاخر من سياسيهم وقادتهم عندما املوهم بحياة رغيدة وأنهم سيعملون على تغيير الواقع العراقي الى حال افضل ذهب العراقيين الى صناديق الانتخابات وانتخب ممثليهم للبرلمان الذي تنبثق منه باقي السلطات التنفيذية والقضائية ليتخلى عنه هؤلاء المنتخبين ويسرقون اموال الشعب ويؤججون الطائفية ويتسيدون القنوات الاعلامية الفضائية لأيقاظ الشارع بأمور تجعل منه في حرب دائمة ..
وآخر هذه البوريات وليس اخيرها بوري الحكومة الاخيرة حكومة المقبولية التي صفق لها الجميع دوليا ومحليا وبارك لها القاصي والداني وهي تقدم تنازلات للكتل الاخرى الشريكة معها عن طريق اوراق عمل لتجد نفسها في اول تجربة ومحك على الواقع انها ضربت ببوري بعد انسحاب الكتل السنية من البرلمان والحكومة والامر لا يعدوا كذالك اتفاق النفط بين الاقليم والمركز لتكتشف الحكومة انها ضربت ببوري استراتيجي من الحكومة الكردية في الاقليم ,,
وبعد اقرار الموازنة لهذا العام شعر العراقيين وهم (المتعودين دايما )على البوريات ببوري معدل بعد تضمين تلك الموازنة بفقرات من التقشف والادخار الاجباري وفرض ضريبة على الموبايل وعلى استيراد السيارات الحديثة وضريبة على السفر ..
واخر هذه البوريات وليس اخرها هو تسعيرة الكهرباء الاخيرة التي وجدتها الحكومة العراقية لتعالج الميزانية العراقية المنهكة والمصابة بالشلل النصفي من جراء السرقة والفساد لتجد حل اخير وناجح لمعالجة الموازنة وتعويض المليارات التي لايعرف القادة المحنكين اين ذهبت ليجدوها اخيرا في جيوب العراقيين الهدلان ويعيدوها عن طريق قائمة الكهرباء وفي بداية الصيف .
وهكذا يخرج العرقيين من بوري ليجدوا انفسهم وقد دخل بوري اخر في حياتهم والى بوري اخر في يوم اخر .