مرت على العراق لحظات حرجة وخطيرة، كادت تتسبب بإنهيار المنظومة الحكومية مما ينسحب على هيكل الدولة بصورة عامة والنظام السياسي بصورة خاصة، وسمعنا وشاهدنا الخطابات المشنجة من أغلب الأطراف، وغابت تماماً لغة الحوار وحاول البعض ومن جهات سياسية عديدة استغلال هذا الظرف والعزف على وتر الطائفية من اجل مكاسب حزبية وفئوية وانتخابية، وللأسف الشديد أصبح المكسب السياسي لدى البعض أهم من المكسب الوطني، والجلوس على كرسي الحكم مقدس أكثر من أرواح الناس، وأنشغل الأعم الأغلب كالعادة في إيجاد طرق جديدة للكسب السياسي، وتحشيد الشارع تحت شعارات وخطابات لا تتلائم مع المناخ العراقي الذي لا يحتمل أي زخات مطر محملة بقطرات الفتنة أو رياح صفراء تلوث الأفكار وتؤجج الأحقاد وتملأ النفوس بغبار التناحر، هنا يكون الوضع بحاجة ماسة إلى صوت عُقلائي متزن يقرأ الواقع من زاوية وطنية خالصة بعيداً عن كل التأثيرات والصخب الإعلامي، صوت تكون فيه نبرة الحق عالية وواضحة يسمعها كل من به صمم، صوت يميل باتجاه الشعب وفقراءه الذين لم ينصفهم الحاكم على مر العصور وكأن قدرهم أن يعيشوا ظلم الحاكم ونزواته السلطوية ومزاجيته في التعامل مع الرعية، الحاكم في المجتمعات الشرقية يرفض أن يُقال لهُ انك على خطأ أو انك مقصر، لأن الحاشية يصوروه مَلكاً نزلتهُ السماء على أجنحة من العِصمة، وبذلك يتحول بدون أن يشعر إلى دكتاتور لا يرى سوى السلطة وكرسيها الذي دفن العديد من الحكام وحولهم إلى لعنة على ألسن الشعوب، وفي ضل هكذا ظرف خطير كان للسيد مقتدى الصدر (اعزه الله) دوره الشرعي والأخلاقي والوطني، لتشخيص الهفوة في تعامل الحكومة وتعاطيها مع المشهد السياسي لا سيما الجزء الذي يتعلق بمطالب المتظاهرين المشروعة، والاختلاف في رؤية السيد مقتدى الصدر للوضع العراقي عن غيره تكمن في نقطة جوهرية مهمة انه لا ينظر للأمور من منظار سياسي ضيق تدخل فيه حسابات الربح والخسارة في السباق الانتخابي، هذه النقطة جعلته يتحرك بثقة وبجدية تجاه نزع فتيل الأزمة التي ألقت بظلالها على الشارع العراقي، حيث قامت بعض الجهات السياسية الموالية للحكومة بإخراج تظاهرات مؤيدة للحاكم، وكان تسييس هذه التظاهرات مفضوح بطريقة لا تحتاج إلى شرح وتفصيل، حيث لم نسمع من المتظاهرين المؤيدين للحكومة أنهم طالبوا بتوفير الخدمات أو تحسين الوضع الأمني الذي يحصد يومياً أرواح الأبرياء ضريبة لصراعات السياسيين، بل كان كل هم المتظاهرين رفع صور السيد المالكي وترديد الهتافات والأهازيج المستنسخة من فترة مظلمة من تأريخ العراق المعاصر، هذه التظاهرات وان كانت حق دستوري لكن توقيتها كان غير مناسب، ولولا مواقف السيد مقتدى الصدر لأخذت الأمور اتجاه أخطر مما كان يتوقعه المراقبون، حيث عمل سماحته على تهدأت الشارع وزرع الثقة بين مكوناته الشعبية، من خلال خطوات عملية جادة، هذه الخطوات كان لها اثر كبير في نفوس أبناء الشعب العراقي، لأن الشعب بات يرفض رفضاً قاطعاً النزاعات الداخلية وأصبح يشخص جيداً المؤامرات التي يتعرض لها النسيج الاجتماعي العراقي، وكان موقف الشعب مؤيداً لخطوات السيد مقتدى الصدر ومباركاً لها، وقد لاحظنا في الأيام الماضية أن الجميع سار بنفس الطريق الذي خطه سماحة السيد في تعامله مع الأحداث وتأييده للمطالب المشروعة للمتظاهرين، وحتى موقف المرجعية الدينية كان يصب في هذا الاتجاه، وبذلك يثبت السيد مقتدى الصدر للجميع أن من ينظر بعين الوطن يبصر نقاط الخلل بسهولة مما يجعلهُ أكثر مرونة في معالجتها، ومن ينظر بعين الحزب لا يبصر سوى وجهة نظر واحدة وسيجد نفسه أمام معارضة شعبية ترفضه وتطالب بتغييره، لذلك نقول بوركت جهودك يا مقتدى الصدر في إخماد الفتنة، وكما كنت مقاوماً ورافضاً للمحتل لازلت رافضاً لكل أنواع الظلم التي يتعرض لها الشعب العراقي، وأنت كما عهدناك قريب من الشعب والمطالب الدائم بحقوقه المشروعة دون أن تميز بين العراقيين.