23 ديسمبر، 2024 1:03 م

يعرف أهل التجربة والخبرة أن القراءة من ألذ المتع، فتصفح الكتب ولمس أوراقها طقس لايُقدره إلا من عرف نفاسة كنوزها . ويتساءلون في تعجب ” كيف يعيش من لا يقرأ؟ كما يدركون عمق إجابة الأديب الكبير العقاد حين سُأل لماذا تقرأ؟ قال أقرأ لأن حياة واحدة لا تكفيني .
القراءة ، إرتشاف لرحيق الكتب ، وبروتين ثقافي ، وربيع دائم ، وغذاء ملكي ، هي شغف العظماء ،وعصارة أفكار العباقرة ، وبوصلة البناة.
القراءة توسّع الخيارات ، وتعمّق الرؤية، وتفتح آفاقا بلا حدود ، وتصنع عقلا مرنا لأنه إذا كان العقل آلة الإبداع،فإن القراءة هي وقود هذة الآلة ، وتمنح القراءة طبعا لينا، فهي تؤنسن الكائن الحي، تنقله من البدائية والعشوائية الى النظام والحضارة،فالقراءة تفتح منافذالعقل،وتُرشد إلى جميل السلوك .
القراءة هضم للأفكار ، واستخلاص للتجارب والخبرات ، ومواكبة للمتغيرات ، وجاهزية للتحولات ، ومقاربة للمعضلات من القضايا ، ومرونة في البدائل والحلول ، واستيعاب للتنوع ، وحسن إدارة للإختلاف ، و……

القراءة تمنحك مخيلة ثرية ، لأن الكتب نوافذ العقل، تشرق منها النفس على عالم الخيال،  وتهديك طلاقة في اللسان ، تثري أرصدتك الفكرية والثقافية،  وتعيد تركيب مخك بأشكال متعددة ، تجعله أكثر إنسيابية ، وتحررك من أسرالأسود والأبيض وتقنعك بنسبية الحقائق والنهايات المفتوحة.
  القراءة تعزيز للنهج السلمي ، وإرساء لأسس المدنية، وعقلنة للإنفعالات المنفلتة ، وكوابح فكرية لمردة العنف وصانعي الكراهية .
القراءة دعوة للإهتمام بالمشترك الإنساني ، ونقلة من أسر الأطر الضيقة على إختلاف مسمياتها ، الى رحاب عراقيتنا الفسيحة التي تسعنا جميعا وتفيض تعايشا وتسامحا بلا حدود.
القراءة ، مشروع إنسان ، تُطلق ممكناته،  في بيئة إيجابية، تُحترم فيها خياراته ، وتُمكنه من أن يتعايش مع مواطنيه قناعة لاإضطرارا .
القراءة ، مدخل الى البورصة الثقافية، فاحرص على إمتلاك ماتستطيع  من أسهم ، لتُصبح من ذوي الثراء المعرفي ، والشأن الفكري الذين يُسمع لقولهم، ويُدعون في المحافل ، ويُشار لهم بالبنان.
القراءة بوابة عصر أنوارنا العراقي ، فبها يعلو صرح نهضتنا ، ويبتدأ مشروعنا الثقافي ورقينا الحضاري ، عند غيابها تتكلس الرؤى ، وتتورم النفوس ، وتسود الأمية ، ويهرب الإبداع.
بالقراءة نستعيد حلمنا العراقي ، وتوازننا الإجتماعي ، وتفوقنا العلمي ،ونلتحم بالعصر، ونحقق الفوز بالسعادة في المعترك الصعب، فنخرج من تقمص دور الضحية البائس الى قمة المبادرة والمشاركة والإنجاز.
بالقراءة يستيقظ المارد المعوق الذي نحتجزه في أعماقنا، فيستهل صارخا أنا عراقي ، إذن أنا مثقف ، بالقراءة سأستعيد ذاتي ، وأرمم عقلي، وأرسم خارطتي الفكرية ، كي أطورأدائي الوطني، الإنساني، الوظيفي…
بالقراءة سأجتاز الوعكة الثقافية التي ألمت بي منذ عقود ، وأكتسب المناعة ضد الخرافة والإستبداد ، بالقراءة سأزيح الغبار عن مواطنتي الغائبة ، وأنفخ فيها من روح عراقيتي الجامعة .
 
 (أنا عراقي ، أنا أقرأ)  المشروع الثقافي الذي سيقام نهاية الشهر القادم ، فكرة مضيئة تستحق الدعم والإشادة والثناء ، فهي دليل آخر يثبت أن عراقنا ولّاد ، فشبابنا المبدع أثمن ثرواتنا.
كل عراقي قاريء ، بديهة لا تستدعي تكرارا أو تأكيدا ، فشواهد التاريخ وتراكمات الحضارة ناطقة ، ولكنه الواقع النّكد ومخلفات عهود الظلام التي صحّرت عقلنا العراقي فأمسى بحاجة ماسة لمشاريع الضياء وأفكارالرواء وفعاليات الغرس الثقافي ليستعيد إمكاناته الحضارية ، وفيض عطاءاته الثرة.
وكم اعتراني الأسى على العراقي الذي أصيب بتصحر ثقافي بسبب ظروف وُضع فيها مضطرا ، نحتت من جُرفه الفكري ، ولكنه ما زال محتفظا بنسغه الحضاري الذي مازال يُورق رؤى فكرية ومشاريع ثقافية ، وهذا المشروع الرائد أحدها.
(أنا عراقي ، أنا أقرأ) معادلة حضارية في أربع كلمات ، بل مفردات ساحرة ، توجز محطات الماضي العريق ، وتفتح الطريق لمستقبل مشرق .
 البورصة الثقافية هي الحل.
إضاءة : قيل لأرسطو : كيف تحكم على إنسان ؟ فأجاب أسأله كم كتابا يقرأ ؟ وماذا يقرأ؟.