الشعر موجود ورواده موجودون ، شعراء وسامعون ـ حاله حال اي ظاهرة متفشية في المجتمع لايمكن انكارها ، انا شخصيا لا ارغب للشعر جملة وتفصيلا حتى انني عندما اقرا كتابا واصل الى فقرة فيها ابيات شعرية انتقل الى فقرة اخرى .
اتذكر في جلسة جمعتني مع بعض الاخوة في بيروت مع الاخ الحاج حسين شعيب تحدث عن اقامة مهرجان ليوم النصر على الكيان الصهيوني في بيروت حرب 2006 وانه يرغب بدعوة شعراء لالقاء قصائدهم بهذه المناسبة ، فابتسم الاخوة وقالوا له الاخ سامي يعرفهم ، وهنا علم انني ارفض الشعر فقال لي لماذا قلت له الشعر اليوم هو سلعة للبيع اي يتم تنظيم القصيدة ليس عن مشاعر صادقة وتفاعل مع الحدث .
عند العرب وحتى سنة 40 للهجرة كان حديث العرب شعر وبمنتهى البلاغة والحنكة والحكمة وبشكل تلقائي وحتى الاطفال والنساء يقلن الشعر والشواهد كثيرة ، ايام الخلافة الاموية انحدر الشعر والشعراء نحو الحضيض الا ما ندر يعني يوجد بعض الشعراء الذين تهزهم مواقف معينة فتنهدر من لسانهم كلمات شعرية قمة في الروعة وتصيب الهدف في الصميم مثلا قصيدة (الفرزدق) هذا الذي تعرف البطحاء وطاته ، اما الشعراء الذين باعوا خبرتهم بالشعر للخلفاء فللاسف كونوا تاريخ لهذه الحقبة .
لو قلت لاي شاعر قبل القرن الثاني للهجرة نظم قصيدة على بحر الرمل سيستغرب من هذا الطلب وحتى الوزن ( فعلل فعللن وما الى ذلك ) فانه لا يعرف هذه البحور والتقسيمات لانه يقول الشعر بالفطرة ولا يقوله للكسب المادي بالتملق لفلان .
بينما العصر الاموي والعباسي قاموا بشراء ذمم الشعراء الذين هم ذهبوا ليتهافتوا على ابواب الخلفاء للتسول مثال ذلك البحتري الذي يتغنى به الكثير من محبي الشعر لاسيما الجواهري الذي يذكره كثيرا في مذكراته
موقف من مواقف البحتري، كان البحتري في مجلس المتوكل ليلا حين دخل مغتالوه وقتلوه فتظم قصيدة من روائع شعره قال فيها
أدافع عنه باليدين ولم يكن … ليثني الأعادي اعزل الليل حاسره
ولو كان سيفي ساعة الفتك في يدي … درى الفاتك العجلان كيف أساوره
مع أن البحتري لو كان صادقا في قوله لصرع لساعته كما صرع الفتح بن خاقان شهيد المروءة والوفاء! ،بينما الواقع اذ تؤكد المعلومات التاريخية ان البحتري اختبا تحت احدى الارائك مرتعدا همه ان ينجو بنفسه ناسيا الخليفة ومصيره .
ولنفاقه فانه اقدم على هجاءه المتوكل بعد مصرعه برغم ما غمره به من خير عميم، فقد قال في مدح المنتصر قاتل المتوكل العاق:
حججنا البلية شكرا لما … حبانا به الله في المنتصر
هنالك شاعر دفع له الامام الحسين مبلغا من المال فقيل له لماذا؟ قال حتى لا يقول شعرا يتعرض لنا لان في ذلك العصر كان الشعر اهم وسيلة اعلامية تؤثر بالراي العام ، وفي الوقت ذاته عندما تقرا قصائد مدح اهل البيت عليهم السلام في ذلك العصرين فانها قصائد نابعة من الصميم والمشاعر الصادقة لان قائلها لا ينتظر المكافاة من الامام بل من الله عز وجل وكم من شاعر تم تصفيته بسبب قصائده .
ومثلهم يوجد اليوم في عصرنا وكما يوجد شعراء متملقين للحكام ، هنالك من يستخدم الشعر للتورية ولعدة معان تنطلي على الحكام مثلا روى الاغاني عن المسهل بت الكميت قال : قلت لابي انك هجوت الكلبي وفخرت ببني امية وانت تشهد عليهم بالكفر فهلا فخرت بعلي عليه السلام وبني هاشم الذين نتولاهم
فقال يابني انت تعلم انقطاع الكلبي الى بني امية فلو ذكرت عليا عليه السلام لترك ذكري واقبل على هجائه ـ اي هجاء الامام علي ـ فاكون عرضت عليا عليه السلام له ولا اجد له ناصرا من بني امية ففخرت عليه ببني امية وقلت ان نقضها علي قتلوه ـ اي بني امية ـ وان امسك عن ذكرهم قتله غما وغلبته فكان كما قال .
كل من يتقن الموازين والبحور يستطيع ترتيب الكلمات بصورة شعرية تؤثر بسامعها واعلموا كل الغناء شعر وليس كل الشعر غناء ، ومن هنا استغرب من الاهتمام الكبير بالشعر والشعراء بل تعقد المجالس للشعر لا لشيء فقط لاظهار براعة ترتيب الكلمات بمعان مؤثرة ، والكتب والمؤلفات الكثيرة عن الشعر لا تعد ولا تحصى ، واخيرا انا كثيرا ما انتقد د علي الوردي في مؤلفاته ولكنني فقط اتفق معه بما طرحه من اراء في كتابه اسطورة الادب الرفيع … والكلام يطول بالنتيجة الشعر كالنباتات الطبيعة التي لا يمكن القضاء عليها فيها الشوك وفيها العشب الطبي.