سيناريوهات متفاوتة القيم والتوجّهات تلك التي عرضت منطقياً وفلسفياً وإدارياً وقانونياً للمؤسساتية منذ زمان الطوفان حتى ديباجة الدستور وما أعقبته من سنوات المراهقة الديمقراطية في الدولة العراقية الحديثة حيث علت أصوات ملسوعة منصات التواصل الاجتماعي والمعلوماتية الورقية والألكترونية تهتف بأن الروح قد بلغت الحُلقوم وأن السيل قد بلغ الزبى والمِدْيَةُ المَحَزّ في الشعب العراقي المقهور.
(خمس محطات لازمة للتوقف) في إطار ظاهرتي (الاستبصار الرؤيوي) و(التوزيعات الاحتمالية) للمشهد السياسي العراقي تمثل حزمة لونية مُحْدثة من (التناظر الكتابي) للسيناريوهات والإشكاليات بحجومها وموازينها وسلالمها في الصعود والارتقاء.
(خمس محطات لازمة للتوقف) هي عرض لبيانات الظواهر ومتغيراتها وتوزيعاتها الاحتمالية ومتوالياتها في مصفوفة الدولة العراقية الحديثة ومنتجاتها في استعراضات الشبكات المرئية والمسموعة والألكترونية الإعلامية السالبة والموجبة والمحايدة إلى جانب الورقية منها التي لازالت تمثل حزماً كهرومغناطيسية لروادها ومريديها من المتلقين.
(خمس محطات لازمة للتوقف) تمثل فنارات في فضاءات (لعبة الفرص والصدف) والمتغيرات العشوائية والقيمية السياسية التي توصف في أروقة التسارع بأنها مطلقة شبكاتياً ومناظراتياً.
(خمس محطات لازمة للتوقف) أعمدة جوهرية خارج المنازلات وصراع الإرادات ودكاكين السياسة ذات العطش المجدب الدائم للمال والسلطة وهي تحكمها عنقاء الفوضى ومزادات التدحرج نحو المجهول.
(خمس محطات لازمة للتوقف) هي مطالعات خارج أسوار البراغماتية في ملفات (المؤسسة الديمقراطية العراقية) بعمرها الذي لم يتجاوز الـ 16 عاماً ديمقراطياً بأطرافه الهشّة وهو يأخذ البحر سباحة طولا ، وقراءات في مشاهد التحول القهري الافتراضي والازدواجية المعيارية واختزال المواقف المفصلية على طريقة (إسقاط الفرض).
(خمس محطات لازمة للتوقف) هي رؤية محدثة في الاصطفافات والانتماءات المتداولة في (بورصة الأوراق السياسية) للدولة العراقية وفلسفتها المستقبلية على وفق سياقات ومنهجية اللسانيات التطبيقية حين تفرغ الكلمات كل حمولتها الدلالية في ذات النص في ميادين الديمقراطية الحقيقية وليس (ديمقراطية التوافق المحصصاتي)
(خمس محطات لازمة للتوقف) هي محاورات في مناطق ساخنة حينما أكلت المحاصصاتية وديمقراطيتها التوافقية وجه (الأرض والناس والتاريخ) وأجلس الزمن الأغبر المبطلون مجالس المُلك حين بالغ في عظتهم ومن ورائهم أطنان مرملة وحروب خفافيش وبوّابات تتخفى خلف صريرها وفساد مركّب قد تخمَّر في جينات (الزعامات الكيشوانية) و(الرشوات الوطنية) و(الصراخ السايكلوجي المقروح في حناجر الإخوة الأعداء).
المحطة الأولى ـ سيناريو ثنائية الحيادية والانحيازية الحزبية
تتساقط الأحداث في الدولة العراقية المعاصرة منذ عام 2003م عادة بفعل عاملي وزن الكتلة السياسية وقوة الجذب البراغماتية والمحاصصاتية في محيط العملية السياسية.
فمنذ الولادة الأولى للديمقراطية التوافقية و(الكانتونات) تتوالى على سطوح الدولة العراقية بتكتلاتها وحزبيتها الضيقة الأكمام وتياراتها التي تتجاذبها قوى الرياح وغطرسة الأعاصير والأجندات غير المتوازنة بمختلف مستوياتها وصناعاتها (الصنمية) و(الزعاماتية) و(البراغماتية) و(الدوغماتية) وأساليبها (الميكافيلية) وهي تتصدر المشهد السياسي في العراق المعاصر وتسعى بكل موجباتها للتأسيس لدولة عميقة وإقامة إمارات عائلية سلالية وأذرع أخطبوطية.
اجتهدت هذه الكتل والتيارات ومن حولها شبكات عنكبوتية من (وعّاظ السلاطين) على مقادير جهلها باعتباره جهد المُقِلِّ وهم يؤسسون على وفق مبدأ (الاستهداف الممنهج) ومن خلفه (ماكنة إعلامية) لثقافة (الانحيازية) للحزب الواحد في (كينونته السالبة ذات الأنا الضيقة) وليس (لدولة الإنسان) الذي كان الدستور وديمقراطيته تُراكضان المارثونات من أجل تثبيت دعائم دولة المؤسساتية وترسيخ هيبة الحكومة والسلطة وليست الحزبية الضيّقة الأكمام.
هذا لا يعني أن بعض تلك التأسيسات الحزبية التي قامت في هذا الزمن المرّ هي من أجل فكر نهضوي شفاف ومهني كما ألفت (الإضمامات) أوراق التاريخ القديم والمعاصر وهي تناضل من أجل وضع الإنسان في مركز الصدارة ضمن مقاسات الوطنية والعلمية والقانونية والنزاهة والتجرد والموضوعية والمهنية وأنها (ظواهر صحية ) في البنية المجتمعية (موجبة القيمة المطلقة) ، بل إن كثرتها الغالبة تلك التي نرى فصولها المسرحية في الدولة العراقية المعاصرة هي من تدور في فلك الحزبية الضيقة الأكمام والسالبة على وفق (مبدأ صراع الإرادات والاستحقاقية المغلقة) حول المناصب الحكومية التي تتقاتل حتى مع خيالاتها لكي تكون من حصة (المنتمين لحزبها) والساجدين الراكعين وراء (صنميته) مهما كانت مؤهلاتهم.
لذا ومن أجل هذا اصطدمت بجدار (المؤهلات العلمية والأكاديمية) فعمدت بعد إن أعيتها الحيلة إلى (تزوير الشهادات) لبعض من منتسبي حزبها وكتلتها ممن يفتقرون إليها كي توهم العامة بأنهم أصحاب مؤهلات علمية ومهنية وإن المناصب جاءتهم باستحقاقية مغلقة.
ليس بعيداً وعجباً مفضوحاً علناً مما طفى على سطوح الوظائف الحكومية والدبلوماسية الخارجية التي ما يربو على المائة أو أكثر من دبلوماسييها حول العالم (يمثلون العراق) في المحافل الدولية كانوا بشهادات مزوّرة كما رصدت ذلك شبكات الإعلام المختلفة حيث وقفت تلك على وزراء وسفراء وقناصل ومدراء عامين وموظفين بدرجات حكومية مختلفة ومن هم في دوائر الدرجات الخاصة يحملون (شهادات مزورة) ورجالات أحزابهم يصمّون الآذان عن هذه الخدع وتلك السلوكيات البهلوانية والشرائح غير المتجانسة واللعبة التي ذهبت بهيبة وقامة العراق العملاقة.
الكل يَعِي أن بين المستويات الكمية والمستويات النوعية مسافات هائلة ولنا أن نسأل هل كانت هناك في موازين الحكومة خلال الـ 16 عاماً ما يمكن أن نسميه بـ (الفلترة أو الترشيح للذين احتلوا مراكز الصدارة الوظيفية في الهرم الحكومي)؟ وهل الدستور العراقي بهيبته وقانونيته الملزمة هو في خدمة الأحزاب أم الأحزاب في خدمة الدستور؟
ظاهرة عملاقة جديرة بالتتبع (الوطني الحكومي ومثلث الهرم الرئاسي) من أجل وضع شبكات حدودية ( ومرشّحات) في منظومات الأحزاب وهي تشارك في العملية السياسية وتسعى وراء تحقيق مباديء (الاستحقاقية الانتخابية) حتى لا تكون في الضد من (التكنوقراطية) و(الكاريزمية) التي تتبناها كافة الأنظمة الديمقراطية في العالم المتقدم بحيث لا يرشح أي (منتمي لحزب معين) مهما كان استحقاقه الانتخابي إلا إذا كانت مؤهلاته ترقى إلى مستويات متقدمة (علمياً وأكاديمياً ومهنياً وشفافياً) أمام المستقلين (الحياديين). فكم شهدت جموع الشعب أن وزراء ومحافظين ومدراء عامين ومن هم بدرجاتهم الوظيفية التنفيذية انتموا لحزب في الليل وفارقوه في الصباح بعد أن دخلوا سوق المزادات والمراهنات الروليتية الحزبية الأخرى ليدخلوا في جلابيبها من أجل (الإيرادات المفسدية).
إنها لعبة الفرص الانتهازية في مقصورات الكانتونات والعشوائية وممارسة الضغوطات التي تسببت في إخفاقات (المنجز الوطني).
يا هرم الدولة وعرش السلطة لكي تنكمش في الأحزاب التي هي بعدد (أيام السنة الكبيسة) نزعات الظلام عليها أن تُعَوِّد ذواتها ومريديها وأتباعها على فلسفة ومنطقية وماهية النور بعيداً عن (الأنا) والسلالية والعائلية الضيّقة التي أنتجت لنا (الدولة العميقة) و(عتاة الدكتاتورية) و(ربابنة الفساد المركّب المطلق).
المعيار الحقيقي (يادولة رئيس مجلس الوزراء) هو (الانتمائية الوطنية) وليس (الانتمائية الحزبية) بظلاميتها في(ذاكرة العقل الجمعي للشعب العراقي) منذ سنين القهر والرماد.
هذا هو الجوهر الحقيقي في كل ديمقراطيات العالم وعلى الحكومة أن تتحلى بعقلية المراجعة وتعيد قراءة أوراق قوانين الأحزاب التي تمتهن الوطنية قشرة خارجية في أجنداتها التي تدّعي أنها عابرة لكل المضايق والدهاليز والانتماءات الهامشية الضيّقة ، الأحزاب التي يرى المتلقون مشاهدها في الفضاء العراقي المعاصر أنها تجمعاتٍ بصيغ حزبية وليست أحزاب عقيدية ذوات آيدلوجيات مبصرة.
المحطة الثانية ـ سيناريو ثنائية المناصبية والولائية الوطنية
عندا تتغيّب البوصلة أو تنحرف عن مسار رحلتها فإن التوازن المؤسساتي والمكوناتي ينحرف عن خطوط رحلاته مما يؤدي إلى صراعات طوائف ومكتسبات ومراهنات سوقية هابطة وتجارة زحامات تُدخل البلد في ضبابية تقوده نحو النفق المظلم وتصبح فيه المرجعيات على وفق أجندات خارجية مستوردة تؤدي أدوارها على خشبة مسرح اللامعقول.
الوظائف الحكومية والمناصب في الحكومات التي تمتهن المؤسساتية المدنية لا تتحرك إلا بحجوم أصحابها من التكنوقراطيين المهنيين أصحاب الكفاءات والشفافية حيث يكون (الولاء) فيها لجودة الأداء والتميز الإداري والتقني والإنتاجي والإبداعي التنظيمي.
المنصب في ديمقراطيات العالم لا يعطي الموظف حرية التصرّف العشوائي البراغماتي أو التعالي على الآخرين أو ممارسة امتيازات معينة والغطرسة والكبرياء وأن ولاء الآخرين في دائرته المناصبية يجب أن يكون له لأن ثقافته منذ أزمنة الرماد (دكتاتورية) وإن اصطبغت ظاهراتياً بالديمقراطية الهشّة وهذا نتاج أسواق الاختيارات الهشّة وغياب (المرشّحات ) والمحاصصاتية من خارج أسوار (الكفاءات المهنية).
المناطقة يقولون في معادلاتهم الرياضية أن أيّ مسألة من مسائل السياسة والفكر لا يعرف صدقها وقياساته الحقيقية إلا بمقدار النتائج التي تكون عليها مخرجاتها. لذا فإن (الولائية الوطنية) في كل العالم المتمدن لها مركز الصدارة في الهرم الحكومي من قمته حتى قاعدته على وفق التنافسية الفكرية والبرامجية في توازنات العملية السياسية موجّهة للوطن الذي هو (الإنسان والأرض والهيبة) وليس لرموز الدولة والصنميات الحزبية.
يتدحثون تواترياً أو آحادياً في مختلف وسائل التواصل والمحطات الإعلامية عن ما يمكن أن أسميه (حوسبة المناصب التنفيذية) في ظلال الكواليس السياسية بصفقات تتخذ أساليب ممنهجة خارج أسوار الوطنية واستحقاق الكفاءات والمهنية لكي يستأثر بها الذين يدورون في الفلك الدوار (التقامري).
الوطنية والمناصبية طرفا معادلة سياسية لا يتقاطعان إلا في حالة الشد السالب وفي الموجب فالمنصب الحكومي التنفيذي (ولاءً) يقع في حيزين الأول حيّز (الوطنية المطلقة) والآخر حيّز (المهنية الشفافة) وكلاهما بالتالي يسجل ولاءً خالصاً للوطن (الإنسان والأرض والهيبة) بغض النظر عن الحجوم والمسافات والألوان والأوزان.
المحطة الثالثة ـ سيناريو ثلاثية القوانين الطبيعية والوضعية والإلهية
العدل في التوصيفات الأساسية التي تحتكم عليها الدساتير الرصينة في الدول الديمقراطية المتقدمة هو الدعامة الجوهرية في محيط القوانين والأنظمة التشريعية وأن القانون في فضائه يمثل القواعد السلوكية الجبرية الملزمة للأفراد في أمة من الأمم. وقد ذهب أهل الفلسفة والمنطق والاجتماع أن يضعوا هذه القواعد في مدارج ثلاث هي :
القانون الطبيعي (قوانين الفطرة) ويتميز بثبوتيته المتأتية من وضع الله له في الدائرة الكونية وهو ملزم أخلاقياً للأفراد والجماعات في كل زمان ومكان مثل الإبصار في العين والإحراق في النار وغيرها من التي يكشف عنها العقل البشري المتوازن.
يوصف القانون الطبيعي بثبوتيته في عدم التغيّر أو التبدل. ويرى فقهاء العلوم والمعارف الإنسانية أن المشرعين مطالبون باتباع ها القانون لأنه لا يتكامل إلا مع القانون الإلهي الخارج عن النفعية والذاتية.
القانون الوضعي أو المدني بكينونته مجموعة اللوائح التي يضعها المشرعون لتنظيم السلوك الإنساني وهي السائدة في بنود الدساتير العالمية ومدوناتها حيث يوصف بأنه (متغيّر).
القانون الإلهي يوصف بـ(ثبوتيته) لكونه منزل من الذات الألهية.
هذه القوانين بثلاثيتها التي تتراوح بين المتغير والثابت عالجت موضوع (العدالة الانتقالية) بأشكال وهيئات متفاوتة القيمة القياسية والتوازنية حين تحول المجتمع العراقي من الدكتاتورية الفردية إلى الديمقراطية الدستورية المدنية. وقد دأبت الحكومة العراقية على معالجة هذا الموضوع بشكل جوهري من خلال كشف الحقائق وتطبيق ثقافة المسائلة والمحاسبة وتشريع القوانين والأنظمة التي تحول دون تكرار مثل تلك الانتهاكات على حقوق الإنسان. ويبدو أن الأحزاب التي حكمت العراق منذ 2003م ولحد الآن لم تفلح بشكل متكامل على إعادة الهيبة لمؤسسات الدولة العراقية وكسب ثقة المواطن العراقي وتمكينه من عاملي المصداقية والإيمان التكاملي بقوة القضاء واستقلاليته وهو يتعامل مع تركة أزمنة القهر والرماد وما رافقها من انتهاكات وممارسات تمس الأرض والإنسان.
مع الأخذ بثلاثية القوانين الطبيعية والوضعية والإلهية في المنظور المؤسساتي كان لابد للديمقراطية الوليدة في الدولة العراقية وهي تخطو نحو المدنية أن تتعامل مع موضوعة (العدالة الانتقالية) من بوابتين الأولى ماورائية ترقى إلى زمن (الدكتاتورية) والثانية معاصرة ترقى إلى زمن (الديمقراطية المعاصرة).
فأما الأولى فقد عالجتها الدولة بنسب متفاوتة عن طريق تشريع القوانين والأنظمة والآليات لإعادة الحقوق لشرائح من الشعب تعرضت لصنوف ألوان القهر والرماد اللاأنساني لكنها ما زالت منقوصة وهي بحاجة إلى مراجعات من أجل التكاملية الملزمة.
أما الثانية في زمن (الديمقراطية المعاصرة) فهي في منظومة القوانين الثلاثة ونسبها المتفاوتة وهي بحاجة إلى تشريعات أخرى مُلزمة من قبل الحكومة الاتحادية لكي يتحقق شرط الديمقراطية والمؤسساتية المدنية في موضوعة (العدالة الانتقالية).
العدالة الانتقالية في ظل الدولة المؤسساتية تبنى على الشفافية والمهنية وقوانين الدستور بثبوتيتها التامة وليست التفسيرية. وعلى هذا يجب فصل القضاء عن السلطات الثلاثة وتحييده بشكل متكامل حتى تأخذ العدالة مستوياتها الطبيعية ، كما أن المناصب التنفيذية ابتداء من قمة الهرم حتى قاعدته يجب أن تُنظّم دستورياً ومهنياً واستحقاقاً أمام الشعب بدون تمايز حزبي أو كتلوي أو عائلي وإن المفاضلة فيها يجب أن تكون على أسس التجربة المكثفة والمهنية والشفافية والكفاءة والصدق والتجرد والنزاهة وحسن الأداء وتميزه باعتبارها ضوابط جوهرية إذا احتكم إليها الشخص فمن (العدالة الانتقالية الديمقراطية) أن يحضى بالمنصب أو الوظيفة في السلم الهرمي الحكومي وبذا يتحقق شرط العدالة في فضاءات (القانون الطبيعي) و(القانون الوضعي) و(القانون الإلهي) باعتبارها تشترك في المساوات والعدل والأخلاق وتتكامل مع بعضها في خدمة الإنسانية.
(العدالة الانتقالية) في منظومة (الديمقراطية) المحدثة منذ 2003م وحتى الآن منقوصة نتيجة للزحامات والمراهنات والتهميشات والاستئثارات والمنفعية المرابية والمحاصصاتية التي تتصارع الأحزاب في كينونتها مما تسببت في تعطيل تحقيق ثوابتها في الزمن الديمقراطي الهش.
على الحكومة الاتحادية أن تُفعِّل هذه القوانين الثلاثة بشكل تام وتعمل بمستوياتها وتصلح المنظومة الحزبية والانتخابية وثغرات الدستور حتى تستطيع أن تصل إلى الحدود المشتركة والمستويات الناضجة في التأسيس لحكومة مؤسسات مدنية عراقية متكاملة بعيدة عن الضغوطات الداخلية والخارجية لدولة مهيبة القامة تعيد للشعب إنسانيته وثقته واحترام وطنيته التي يجاهد منذ آلاف السنين في ترسيخها أرضاً ومعتقداً وفكراً ومناهجاً.
المحطة الرابعة ـ سيناريو خماسية المخلوقات غير البشرية
منذ زمن الطفولة ونحن نتابع بشغف المتلقين وفضولية المعرفة كيف غيّرت كائنات غير آدمية (حشرة وطائران وحيوانان) سيناريوهات إرادات وسلوكيات أحداث واقعية متحدية بذلك الإرادات البشرية العقلانية وكأنها وعت منذ أزمنة خلقها الأولى أن (لا أحد بسيف غيره ينتصر) كما يذهبون وأن تلك الكائنات وعت القانون الإلهي واستوعبته لتغير به من حركة البشرية في هذا الكون الأحدب حين سخرتها إرادة القانون الإلهي من أجل رسم خارطة طريق الأمة.
فأما (حشرة النملة) الصغيرة في حجمها المتقدمة في فعلها فيقص علينا القرآن خبرها حين كان سيدنا سليمان بجيشه الجرار يروم خوض معركة إصلاحية وهو يسير باتجاه جيوش الجهة المقابلة حيث يحدث أن طريق الجيش عبر (وادي النمل) ، وما أن أبصرت جموع النمل جحافل الجيش حتى صاحت نملة في أرتال النمل محذرة إيّاها من أقدام سليمان وجنوده أن تدوس عليهم وتحطمهم. قال تعالى:
﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
فلما سمعها النبي سليمان بإلهام من الله تعالى غير مسار جيشه. وبذا رسمت هذه الحشرة الصغيرة خارطة التدمير التي ستلحق بصفوف النمل والتماس العذر للجيش وقائده بفنية وقياسية محكمة ومقدرة في إدارة الأزمات والمواقف الصعبة.
أما الطائران فهما (طائر الغراب) و (طائر الهدهد) اللذان بإرادة إلهية أوصلا المعرفة إلى فضاءات متقدمة.
(طائر الغراب) الذي اختاره الله من بين مملكة الطيور ليعلم الإنسان طريقة (مواراة الموتى في التراب) حينما قتل (قابيل) أخاه (هابيل) فكان هذا الطائر دون غيره من سائر الطيور لما أثبتته التجارب المخبرية والبحوث العلمية أن نسبة الذكاء عنده متقدمة عن غيره لامتلاكه حجماً أكبر لنصفي دماغ بالقياس إلى حجم الجسم في مملكة الطيور ، وأن الدراسات أثبتت أن الغراب بفطرته من بين سائر الممالك غير الآدمية يقوم بدفن موتاه. هكذا تكون (العدالة الفطرية) التي وهبها الله للممالك الكونية. قال تعالى:
(فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ).
أما (طائر الهدهد) فقد كان أحد الأسباب الموجبة القيمة المطلقة في تغيير معتقد أمة من الأمم.
يبدأ المشهد في الاستعراضي العسكري الذي أقامه النبي سليمان لجيشه حين مرُّوا على وادي النمل وفيه استطاعت نملة من أسراب النمل أن تغير مسار هذا الجيش. وحين كان النبي سليمان في مشهد الاستعراض لاحظ غياب (طائر الهدهد) فتوعد بمعاقبته ولكن بعد أن يستمع لخبره مواجهة.
يأتي الهدهد ويقص خبره عن (الملكة بلقيس) ملكة مملكة سبأ التي تقع في اليمن حيث كانت تُعْبد فيها الشمس من دون الله . وتمضي الحكاية بفصولها التشويقية حتى تنتهي بنزول (الملكة بلقيس) عند رغبة النبي سليمان والدخول في ذات معتقده. قال تعالى:
(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ).
وأما (حيوان الفيل) فقد كان هو الأخر قد فطره الله وألهمه كيف لا يمتثل لإمْرَة البشر حينما جاء به إبرهة الحبشي من اليمن إلى مكة لهدمها حتى يحجّ سكان الجزيرة العربية إلى ما بناه في اليمن لكنه برغم كل الأساليب التي اتبعها إبرهة في توجيه الفيل لهدم الكعبة إلا أنه أبى واستعصم ونجت الكعبة من واقعة الهدم. قال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ).
وأما (حيوان الحوت) الضخم السفّاح الذي يبلغ طوله قرابة الـ 16 متراً فقد كانت بطنه الملاذ الآمن لنبي الله (يونس) بعد حادثة الغرق التي تعرضت لها سفينته ، وعلى الرغم من طول فترة إقامة النبي يونس في بطن الحوت إلا أنه لم يصب بأذى بإلهام من الله تعالى حتى لفظه الحوت على اليابسة. قال تعالى:
(وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ).
هذه مشاهد من فصول عملاقة في التاريخ البشري كان فيها القانونان الطبيعي والإلهي يسيران باتجاه واحد متضامنبن غير متقاطعين أمام أوراق القانون الوضعي الذي يقف عاجزاً في مثل هذه المواقف.
الذي أريد أن أحفّزه في هذه المشاهد أن مخلوقات غير آدمية استطاعت أن تغير مسارات جوهرية في عوالم البشرية ، نعم لأن الله معها وكذلك أقول نعم فإن (الله مع العراق) وحكومته إن أخلصت وشعبه إن أوفى.
هذه الحكومة التي تقف مشدوهة في زمنها الديمقراطي وبيديها صولجان الحكم والدستور من تقديم المراجعات الدقيقة لثغرات الدستور وإحكام بوّاباته القانونية حتى لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه كبقية دساتير العالم التي تخضع للمراجعات حسب متطلبات الأحقية للإنسان والأرض من أجل تحقيق أركان (العدالة الانتقالية) بشقها الثاني الذي يتركز في الزمن الحاضر وما تتطلبه منه عملية البناء والتغيير في مدن وسكان العراق التي لازالت بنسب متقدمة لم تنل نصيبها الأوفر من التوزيع التوازني لثروات الأجداد حضارة ومدنية وعمراناً وأحقية وظيفية ورفاهية مثل باقي شعوب العالم الديمقراطي ولازلت هناك أحياء عشوائية ومدن صفيح وأرزاق في ركامات النفايات.
المحطة الخامسة ـ سيناريو خماسية الفساد السياسي والإداري والاقتصادي والأكاديمي والاجتماعي
يعتبر هذا السيناريو في بورصة الأوراق السياسية أكثرها شبكاتياً ولصوقاً وتشظياً حيث أثر بشكل مباشر على طبيعة (المنتج الديمقراطي المؤسساتي) وحَرَف مساراته التقويمية في العراق المعاصر حتى أصبح أصواتاً جوهرية عالية تُسمع كل يوم عند بوّابات المعلوماتية المرئية والمسموعة والمكتوبة وفي أروقة الهرم الحكومي وقبة وأعضاء مجلس الشعب حتى تحولت تلك الأصوات إلى نوع مرعب من العصف (التظاهراتي) فأحرقت مقرات ودوائر دولة وذهبت ضحيتها أرواح أزرى بها الزمن المر وهي تنظر إلى مواريث أجدادها تنهبها الحيتان ومافيات فساد مركب منذ ولادة الديمقراطية الهشّة وتوالي الحكومات حتى الزمن الحالي والعراق يعيش حالة من التشظي المر من الفساد بألوان قوس قزح في شتى الميادين والأصعدة حتى أصبح ثقافة مجتمعية مرعبة.
فإذا كان ملف الفساد المركب يتحدث عنه (أهل الحكومة نفسها) فمن هو الفاسد ومن هو غيره؟
لماذا لا ينتفض الهرم الرئاسي وفق الصيغ الدستورية الديمقراطية وذلك بتشريع القوانين واللوائح والأنظمة لحماية ثروات العراق من النهب المبرمج؟
لماذا لا يعلنها الهرم الرئاسي محاكمة صريحة معلنة للرأي العام على (مرتكبي جرائم الفساد المركب) بمساعدة أمريكا ودول التحالف إن كانت ترى ذلك فوق طاقتها كما فعلتها من ذي قبل مع الإرهاب الذي (عاث فساداً في الأرض والإنسان) بعد أن استفحل الأمر وأصبح خلايا مسرطنة لتحقق (العدالة الانتقالية بوجهها الديمقراطي وتعيد أموال العراقيين التي سُرِقَت نهاراً جهاراً بأرقام عملاقة. إن أخطر اللصوص يا دولة رئيس الوزراء هم أولئك الذين يأتون من داخل بيوتنا مثلما تقول حكمة الأجداد.
أما آن الأوان لكي يحلم العراقيون بـ(وطن لا يظلم فيه أحد) فالوطنية تبدأ من داخل نفوسنا وبيوتنا قبل أن تأتينا من خارج الأسوار. إنّ محاسبة الفاسدين مطلب الشعب العراقي المقهور فلنبدأ به (تطبيقياً) وليس (نظرياً) و(هامشياً) ونشرع قوانياً صارمة بلا خوف ولا تردد ولا مجاملة حتى أولئك الذي سرقونا باسم المعتقدات الروحية والوطنية والحزبية والملائكية وما أكثرهم ممن استحلوا عراقنا الكبير واستغفلوا (ديمقراطيتة المعاصرة).
أقول لـ(دولة رئيس مجلس الوزراء) من أجل أن يكون العراق معافى من (سيّد الكبائر الفساد المركب) على الحكومة أن تحتكم للدستور (معدّلاً) والقضاء (غير مسيّس) مستقل خالي من الحزبية والكتلوية والطائفية لكي تكون قراراته ملزمة للجميع لأن لا أحد فوق القانون.
من دون محاكمة ملفات الفساد أمام الرأي العام لن تستطيع الحكومة كسب ثقة الأمة ومناصرتها وولائها. فالوطنية هي (الأرض والشعب والميراث) مشتركات يجب الحفاظ عليها وفق مباديء وقوانين (العدالة الانتقالية الديمقراطية) وإلا فالعدالة منقوصة ومتى ما كانت منقوصة فهي مثار شك وجدل وعدم قناعة ولن تستطيع الحكومات إذا سارت مع الفساد بخط متوازي الإمساك بالهارب الأبدي مهما امتدت سنواتها وتوالت أجيالها.
اللوحات الشعرية الستة أوجزت (المعاناة العراقية) شعراً في نهاية هذا المطاف من قصيدتي بعنوان (العرش والطوفان) ضمن مجموعة أعمالي الشعرية العمودية الكاملة (موطن الرسل والأنبياء) للمتلقين الذين يرون في الشعر خطابات من القلب إلى القلب ومحطة أخيرة في سلسلة محطات تالية ملزمة للتوقف.
اللوحة الأولى
قِفْ مَوْقِفَ الحَزْمِ خِرْقُ الثَّوْبِ يَتَّسِعُ *** وَقَدْ تَشَظّى فَلَمْ تَنْفَعْ بِهِ الرُّقَعُ
مَفازَةٌ مِنْ فَسادٍ أَلْقَحَتْ وَرَبَتْ *** وَلَيْسَ نَعْلَمُ ما نَأْوِي وَما نَدَعُ
ها أَصْبَحَتْ بَعْدَ رَوْعِ الأَرْضِ مَذْئَبَةً *** العَرْشُ وَالملْكُ وَالتَّنْجيمُ وَالبِدَعُ
وَالمُزْلِفونَ أَجِنْداتٌ مُسَيَّسَةٌ *** تَنْأى وَتَدْنو بِها الأَهْواءُ وَالشِّيَعُ
وَقَدْ تَدَلَّتْ عَلَيْنا أَلْفُ مُفْرِعَةٌ *** بالموحِشاتِ وَفينا الأَرْضُ تَبْتَلِعُ
تَغَطرُفٌ رَغْمَ أَنَّ الموْتَ مُشْتَرَكٌ *** طَراوَةُ الطِّينِ أَغْرَتْ مَنْ بِهِ جَشَعُ
فَكاذِبُ النَّفْسِ مِسْراعٌ لِغايَتِهِ *** وَخادِعُ القَلْبِ لا رَيٌّ وَلا شَبَعُ
لا يُرْتَجى النَّفْعُ مَمْن خانُوا مَنْبَتَهُمْ *** وَقامَروا في بُيوتِ المالِ وَاتَّسَعُوا
اللوحة الثانية
قِفْ مَوْقِفَ الحَزْمِ فَالطُّوفانُ مُدَّرِعُ *** وَقَدْ زُهِقْنا وَمَلَّ الصَّبْرُ وَالجَزَعُ
وَالعادياتُ أَتَتْ تَلْوِي أَعِنَّتِها *** وَتَعْلِكُ اللُّجْمَ في غَيظٍ وَتَزْدَرِعُ
وَالمفْسِدونَ وَفَكُّ القِرْشِ فِطْرَتُهُمْ *** دامِي المساقِطِ مَتْبُوعٌ لَهُ تَبَعُ
وَالعَرْشُ مَنْجَمُ وَالحيتانُ مُحْرِمَةٌ *** نَزْفٌ يُفَتِّحُ في الأَحْشاءِ ما يَسَعُ
اللوحة الثالثة
قِفْ مَوْقِفَ الحَزْمِ لا يُثْنيكَ مُرْتَجَعُ *** هُمْ شِمْرُ أَرْضِكَ هذا الأَزْلَمُ الجَذَعُ
هُمْ قاتِلوكَ وسَفّاحُونَ مُذْ قَتَلوا *** مَجْدَ الحُسَيْنِ وَباعُوا الدّينَ وانْتَجَعُوا
وَقاتِلوا حَيْدراً في بَغْي مُلْجِمِهِمْ *** ذاكَ البَكَتْهُ سَماءٌ وَالأُلى فُجِعُوا
وَبائِعُوا يُوسُفَ الصِّدِّيقَ هَيْبَتَهُ *** بِصَفْقَةٍ نِيلَ فِيها العارُ وَالضَّرَعُ
فَهَل تُرَجّى سُلالاتٌ مُدَنَّسَةٌ *** وَهَلْ سَتَأْمَنُ مَنْ بالوَحْلِ قَدْ كَرَعوا
فَأَنْتَ يا وَطَناً مَذْبوحُ مِنْ زَمَنٍ *** ضَمائِرٌ مَيْتَةٌ أَزْرى بِها الجَشَعُ
اللوحة الرابعة
قِفْ مَوْقِفَ الحَزْمِ لا شَكٌّ ولا زَمَعُ *** وَلا شَكاةٌ إِذا ما أَسْرَجَ الوَجَعُ
وَهَلْ سِواها مَواريثٌ مُقَنْطَرَةٌ *** دارتْ عَلَيْها رُحى الأَطماعِ تَصْطَرِعُ
فاشْدُدْ حيازيمَكَ الجلّى عَزائِمُها *** فَقَدْ تَوالَتْ قُلوبُ النّاسِ تَنْخَلِعُ
وَثَبِّتْ العَزْمَ وَاشْكُمْ خَيْلَ مَفْسَدَةٍ *** حَتّى عَجاجَتُها تَخْبو وَتَنْقَشِعُ
خانُوا الأَمانَةَ مَلْحَ الأَرْضِ في دَمِها *** وَمِخْرَزُ الموْتِ في أَحْشائِنا جُرَعُ
كُلُّ العُيونِ عَلَيْنا ضاقَ مَحْزَمُها *** إِلاّ عُيونُ المنايا فَهْيَ تَتَّسِعُ
فَاحْكُمْ خُطاكَ وَجِدَّ السَّيْرَ مُمْتَشِقاً *** عَزْمَ الحُسَيْنِ لِأَنْفِ الذُّلِّ يَجْتَدِعُ
اللوحةالخامسة
قِفْ مَوْقِفَ الحَزْمِ لا تَلْوِي بِكَ الخِدَعُ *** مِمَّنْ تَفَقَّسُوا في واديكَ وَاخْتَرَعُوا
خانُوكَ يا وَطَناً مُذْ أَسْرَجُوا طَمَعاً *** حَتّى وَأَنْتَ جَريحٌ بِئْسَ ما صَنَعوا
حَتّى وَأَنْتَ بِشِدْقِ الموْتِ مُنْتَصِباً *** عَقّوكَ مَهْوى عَلى الأَرْزاءِ تَنْصَدِعُ
أَجْدادُنا مِنْ زَمانٍ قالَوا قَوْلَتَهُمْ *** إِنْ رَثَّ ثَوْبُكَ لابُدّاهُ يَنْخَلِعُ
فانْزَعْ مَخالِبَهُمْ وَاجْتَثَّ شَأَفَتَهُمْ *** مِنْ فَرْطِ ما فَسَدوا وَالتاثوا وانتَقَعوا
فَما انْتظارُكَ صَبْراً في مَضارِبِهِمْ *** وَأَعْيُنُ النّاسِ حُزْنٌ مِلْؤُهُ الهَلَعُ
هذا مَصيرُك لاقِي الجُرْحَ مُقْتَدِراً *** فالكَيُّ بُرْءٌ إِذا ما اسْتَفْحَلَ الوَجَعُ
اللوحة السادسة
مَنْ لَمْ يَرَ بَيْتَ أهْلي النّارُ تأكُلُهُ *** والمُفْسِدونَ بُيوتَ المالِ تَنْتَجِعُ
وَأَنْبياءً عَلى أَوْجاعِنا صَلَفاً *** يُوحى إِلَيْهِمْ بما يُملي بِهِ الجَشَعُ
مَتاهَةٌ يَعْتَلي العَرّافُ دَكَّتَها *** في كُلِّ خافِقَةٍ ما يَحْكُمُ الوَدَعُ
لا سالمتْهُ يَدٌ مِنْ جَوْرِ ما فَعَلوا *** وَأَثْخنونا جِراحاً بئْسَ ما صَنَعوا
وَيا حُسَيْناً عَلَيْنا كَرْبَلاؤُهُمُ *** قَدْ أَطْبَقَتْ وَالطُّفوفُ الحُمْرُ تَصْطَرِعُ
وَيا عَلياً دَخِيلاً صِحْنا مِنْ ضَنَكٍ *** فَقَدْ تَوالَتْ عَلى هاماتِنا تَقَعُ
***