23 ديسمبر، 2024 3:54 ص

بورخيس ( كض أخوك لايطيح )

بورخيس ( كض أخوك لايطيح )

أمسك اخيك كي لايقع تلك الترجمة الفصيحة التي تكتب بها العبارة العامية ( كض اخوك لايطيح ) وهي ما تعودعلى ترديده جندي الاحتياط فالح شكور هويدي من اهالي مدينة الثورة مواليد 1948 والذي تمت دعوته لخدمة الاحتياط وكان ينادي بهذه العبارة صوب الجنود وهم يتسلقون الراقم حاملين جلكانات الماء والارزاق وصناديق العتاد الخفيف حيث اختار ان يكون دوما في الخلف يراقب الصعودالصعب للجنود ويوجههم بمقولته عندما يرى تعب احدهم او ميلانه محذرا الذي يسير جنبه من خلال مناداته بعبارة : كض اخوك لايطيح .
يسمونه شيخ عشيرة السرية ، فيضحك ويقول : انا في منطقتي اعمل مختارا وحارس مدرسة ، والان انا هنا شيخ عشيرة الحرب وتلك مهمة صعبة جدا .ولكن لاتهتموا انا منك واليكم وكض اخوك لايطيح…
يضحك الجميع . ويسألون انا كان يردد تلك العبارة حين يعود الى بيته في مدينة الثورة اثناء الاجازة الدورية .
فيرد ضاحكا : العبارة تتغير بهذه :كض الحايط لايطيح .
وحين سألته لماذا ؟.
قال نحن في قطاعانا حين اتينا من ريف العمارة لنعيش في مدينة الثورة بسبب القحط والجفاف جلبنا معنا حيطان بيوتنا الطينية شوقا لابقاء رائحة ميسان معنا .ولكن متى تساقط المطر الغزير انهدت جدران الطين فكنت احذر سكان المنطقة بصفتي مختارها بعبارة :كض الحايط لايطيح .
ابتسم واسأله : ولماذا معي انا فقط من تغيير العبارة .
قال لأنك لاتحمل سوى الكتب .
وكيف عرفت ان من بين كتبي قصص بورخيس فتقول لي :بورخيس كض اخوك لايطيح وأنت لاتقرأ ولاتكتب.
سألت واحدا من مثقفي السرية عن هذه الكتب التي تحملها ونحن نصعد او ننزل .تخيلتها اول مرة الكتاب الذي يقرا فيه عبد الزهرة الكعبي يوم مقتل الحسين ع في العاشر من محرم . او مصحف . او التقرير السياسي مال الحزب . لكنهم قالوا لي انك تقرأ في كتب واحد اسمه بورخيس . ولااعرف من اين هذا الرجل من النعمانية او الشرقاط .لايهمني .الذي يهمني ان لاتسقط انت يا بورخيس .واظن ان هذا الاسم تصغيرا لواحد من ابناء الجنوب اسمه ابو ارخيص .اي كان عنده حانوتا ولايبيع بالغالي بل بالرخيص.
انفجرت ضاحكا ، وقلت يا عم فالح :هذا من الارجنتين واسمه لويس خورخي بورخيس وهو اعمى ولكن عقله كبير وساحر.انه شاعر وقاص وفيلسوف وناقد ويعشق الف ليلة وليلة.
قال فالح : ولكنه لايحمي الحيطان الطينية من السقوط في المطر ولايمنع انتحار البغال حين يصيبها الضجر وهي تحمل ارازاقنا اثناء الصعود . ولايحمني خواصر الجنود من شظايا المدافع ، ولهذا هو لايهمني .لو كان يبيع بالرخيص لاحببته .ولكن مادامه اجنبي فلا معرفة لي به . ولكن انت سأناديك حين انتخيك بعبارة :بورخيس كض اخوك لايطيح.
رضيت بتلك المناداة عن طيبة خاطر وكنت انفذ اوامره بضرورة الانتباه للصاعدين معي.
ذات ليلة مظلمة تعرضت سريتنا الى قصف مدفعي كثيف ، فأختبئنا في ملاجئنا .إلا فالح فقد اصر ان يمد راسه من الملجأ ليطمئن على الجنود وأن كان احدهم لم يزل في الخارج لتأتي واحدة من الشظايا وتحز رقبته كما شفرة الحلاقة.
ذعرنا وحزنا وركضنا اليه .
كان الملجأ مظلما عندما اشعلت الفانوس لارى فالح يلتقط انفاسه الاخيرة .
فتح عينيه ونظر اليَّ دون الجميع وهمس لي مبتسماً :بورخيس انت مأموري الى اهلي .انا امانة بين يديك .ثم اغمض عينيه وسكنت انفاسه.
صباحا حملنا جسد فالح ببطانية وانزلناه من الراقم الى وحدة الميدان كي ننقله الى مستشفى راوندوز وهنا اذهب به الى اهله .
اثناء النزول تعثر احد حاملي الجسد وكدنا نسقط بين الصخور .
ليأتي صوته من داخل البطانية : بورخيس كض فالح لايطيح…!