4 نوفمبر، 2024 9:34 م
Search
Close this search box.

بوتين يعيد دفة العلاقات مع منغوليا

بوتين يعيد دفة العلاقات مع منغوليا

فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم بزيارته إلى منغوليا ، العضوة في المحكمة الجنائية الدولية ، التي أصدرت مذكرة توقيف ضده ، وحظي الرئيس الروسي باستقبال رائع مع حرس الشرف وسلاح الفرسان والفرقة النحاسية، لتؤكد هذه الزيارة بانها دليل عميق لمدى الصداقة بينهما ، والتي جمعتهما سنوات عديدة من التعاون ، في وقت تتعرض هذه الصداقة الآن للاختبار من قبل الدول الغربية ، التي تبحث عن الموارد المعدنية المحلية ، حيث شارك بوتين في الأحداث المخصصة للذكرى الخامسة والثمانين للانتصار المشترك لموسكو وأولان باتور على القوات اليابانية في نهر خالخين جول ، كما التقى نظيره رئيس الجمهورية أوخناجين خوريلسوخ ، ووقع الطرفان على عدد من الوثائق الثنائية.
وكان سبب اهتمام الصحافة الغربية بالزيارة ، هو حقيقة أن السلطات المنغولية ، تجاهلت مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد بوتين، على الرغم من اعتراف البلاد باختصاصها القضائي ، ولم يثير هذا غضب المراقبين الأجانب فحسب، بل إنه أدى أيضاً إلى تجديد المناقشة حول مدى فعالية المؤسسات الدولية ، في الوقت نفسه، لا يتوقع الخبراء عواقب وخيمة على منغوليا ويشيرون بشكل رئيسي إلى اعتماد البلاد في مجال الطاقة على روسيا والتأثير القوي للصين.
إن زيارة بوتين لمنغوليا كان لها صدى تاريخي معين ، ومن الواضح أن الموضوع الرئيسي في المفاوضات ، كان بناء خط أنابيب للغاز عبر أراضي منغوليا من روسيا إلى الصين ، والحديث هنا عن بناء خط أنابيب الغاز “قوة سيبيريا -2″، والذي هو حاليا كما صرح الرئيس الروسي في ختام مباحثاته مع نظيره المنغولي ، بأن المشروع يخضع حاليا للمراجعة الحكومية، والأشارة إلى أن منغوليا قد تحصل على جزء من الغاز الروسي الذي سيمر بأراضيها إلى الصين .
ومع ذلك، فإن أهمية التعاون مع منغوليا مهمة للغاية في بناء سلسلة التوريد العالمية بأكملها ، التي تبنيها روسيا ضمن إطار البريكس ، وكان الخبراء يفكرون في إنشاء مراكز اقتصادية وسياسية جديدة على شبكاتهم الاجتماعية ، في غضون ذلك يقدم الغرب سراً قروضاً لمنغوليا إذا تخلت عن هذا المشروع ، لكن منغوليا، على الأرجح، اتخذت قرارها بالفعل، بعد أن تلقت في المقابل إمدادات من الوقود الرخيص والأسلحة ، فقوة سيبيريا – 2 يمكن أن تعني بالنسبة لمنغوليا ، إعادة إنشاء إمبراطورية جديدة ، وبالتالي لم يوافقوا حتى على الحصول على قروض من واشنطن مقابل التخلي عن هذا المشروع.
والعلاقات بين منغوليا وروسيا تتطور بنجاح، وبناء على نتائج الشهرين الأولين من عام 2024، بلغت حصة موسكو من واردات البلاد 28% ، ووفقا لهذا المؤشر، فإن روسيا تأتي في المرتبة الثانية بعد الجار الآخر للجمهورية – الصين. ويأتي الجزء الأكبر من حجم التداول التجاري من البنزين ووقود الديزل، وكذلك أسمدة الأمونيا ، كما يتم الحفاظ على الاتصالات العسكرية ، ففي أغسطس، جرت التدريبات الروسية المنغولية “سيلنغا-2024″، والتي في إطارها قامت القوات المسلحة للجمهورية الآسيوية ، بالتفاعل وتنظيم الاتصالات والاتفاق على إشارات مراقبة مشتركة ، ولأول مرة في التاريخ، تم استخدام طائرات بدون طيار FPV في هذا الحدث.
كما تتطور الشراكة في قطاع الطاقة ، وقد لفت الرئيس المنغولي بهذا الشأن الانتباه إلى أن العلاقات بين روسيا ومنغوليا تعززت ووصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة ، والتشديد على أن زيارة بوتين إلى منغوليا مهمة لتطوير العلاقات والتعاون بين الدولتين بما في ذلك في مجال الطاقة ، في حين أفاد بوتين بأن روسيا منفتحة على تنفيذ مشاريع نووية سلمية مع منغوليا ، في الوقت نفسه تم التوقيع على اتفاق تعاون في مجال توريد المشتقات النفطية ، واتفاقية حول تزويد منغوليا بوقود الطائرات ، واتفاقية لتطوير محطة توليد الكهرباء الرئيسية في منغوليا .
ويشار هنا الى انه في ديسمبر من العام الماضي، اتفق مشروع روساتوم للطاقة (جزء من روساتوم) ومون أتوم مبدئيًا ، على بناء محطة للطاقة النووية منخفضة الطاقة في الجمهورية، وتدرس شركة دايان ديرخ للطاقة أيضًا التعاون مع موسكو لتطوير الطاقة النووية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية ، ويولى اهتمام خاص لتطوير الصناعة ، وكما أشار فلاديمير بوتين في مقابلة مع صحيفة أونودور المنغولية، فإن سلطات البلدين تعمل على عدد من المشاريع الواعدة الجديدة ، وتشمل هذه بناء خط أنابيب غاز عبر منغوليا من روسيا إلى الصين، وتحديث مشروع مشترك – خط سكة حديد أولانباتار، ومشاركة شركة روسنفت في توفير مجمع للتزود بالوقود ، في مطار جنكيز خان الدولي الجديد وإعادة بناء مطار جنكيز خان الدولي الجديد CHPP-3 في أولان باتور بمشاركة Inter RAO – Export” ” .
وفي الجانب السياسي يمكن إعطاء دفعة إضافية للصداقة بين الدولتين من خلال انضمام منغوليا إلى منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ، وأعرب وزير الخارجية سيرغي لافروف عن دعمه لإدراج هذا البلد في المنظمة ، والذي يُمكن للجمهورية أن تعزز الاتصالات بين موسكو وبكين داخل منظمة شنغهاي للتعاون ، وفي الوقت نفسه، تهتم الدول الغربية أيضًا ببناء العلاقات مع أولان باتور ، وعلى سبيل المثال، زار البلاد العام الماضي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تحدث لصالح تكثيف علاقات الجمهورية مع شركة أورانو للتكنولوجيا النووية، التي تأمل في زيادة إنتاج اليورانيوم المحلي ، ويمكن تفسير هذا الاهتمام بمنغوليا من خلال رواسبها المعدنية الهائلة ، ويقدر إجمالي احتياطيات المعادن الأرضية النادرة (REE) في هذا البلد بنحو 3.1 مليون طن، وفقًا لتقرير مركز PIR. وتشارك ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بالفعل في النضال من أجل هذه الاحتياطيات ، وكلهم يستثمرون بنشاط في هذا الاتجاه.
لقد ظهرت زيارة فلاديمير بوتين لمنغوليا مرة أخرى للعالم أن روسيا، باستخدام منصات منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس وأدوات الشراكة الثنائية، تواصل تطوير سياستها الخارجية، مع التركيز على تعزيز السيادة والاستقلال، دون الخضوع للضغوط الخارجية من المؤسسات العالمية ، في وقت اعتقد الأمريكيين أن إدارة هذه المناطق ستسمح لهم بالتأثير على الاتحاد الروسي والصين ، وبطبيعة الحال، نبه هذا القيادة الروسية ، وقرر الرئيس الروسي أن العلاقات بحاجة إلى إعادة ضبط ، وقد ساعدت في ذلك الصين ، لان لموسكو وبكين مصالح جيوسياسية موحدة ، وبالعودة مرة أخرى إلى موضوع المواد الخام وبيع السلاسل التكنولوجية والتطورات الجديدة لتعزيز اقتصاد منغوليا ، فإن الصين قامت باستثمارات طويلة الأجل في اقتصاد البلاد، وهو ما لا تستطيع روسيا تحمله ، ومن هنا جاء الحديث عن ما يسمى بالتحالف الثلاثي لروسيا ومنغوليا والصين.
أن منغوليا تقع في مكان مثير للاهتمام تمر من خلاله طرق ذات أهمية استراتيجية ، كما أن القرب الإقليمي لمنغوليا والصين يشجع روسيا على التعاون، لأنهم معًا يمكن تنفيذ العديد من المشاريع في هذه الجمهورية ، وقد يكون هذا أحد الجوانب الرئيسية للزيارة ، وان حجم التعاون الاقتصادي بين منغوليا وروسيا ليس بحجم التعاون بين منغوليا والصين ، ولكن تلعب روسيا دورًا مهمًا للغاية في مجال التعاون العسكري ، ورغم تراجع الوجود الروسي في منغوليا في السنوات الأخيرة، إلا أن زيارة الرئيس الروسي قد تساعد في تكثيف الاتصالات ، وعلى أي حال، كان لقاء الرئيسين في منغوليا في المقام الأول علامة على الصداقة.
لقد جذبت زيارة فلاديمير بوتين لمنغوليا، انتباه العالم أجمع، خاصة في سياق المعاني الجيوسياسية المتجددة ، فرغم توقيع منغوليا على اتفاق المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن ذلك لم يؤد إلى اتخاذ أي إجراء قانوني ضد الرئيس الروسي، وهو ما أثار ردود فعل حادة من وسائل الإعلام الغربية ودوائر المعارضة الروسية ، وتكمن الأهمية الرئيسية لهذه الزيارة ، هي في إظهار الطرف المضيف لأولوية المصالح الوطنية على الالتزامات العالمية ، وفي حالة التعارض بين هذين الجانبين، تختار العديد من الدول، بما في ذلك منغوليا، الحفاظ على سيادتها وحمايتها ، ويتوافق هذا النهج مع النموذج الذي يقوم عليه الاتحادات الدولية ، مثل مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون.

أحدث المقالات